مصر: التسرب الوظيفي في قطاع التمريض
هذه الورقة البحثية امتدادا لتقرير سابق نشر على موقع المعهد المصري للدراسات بعنوان أزمة تسرب الأطباء في مصر: الحضور المزيف، وتهدف هذه الدراسة إلى محاولة التعرف على أسباب هروب أعضاء مهنة التمريض من العمل بالمستشفيات الحكومية ( مستشفيات وزارة الصحة– المستشفيات الجامعية )، والتعرض إلى مظاهر التسرب من المستشفيات الحكومية وأهمها (الهجرة للخارج– العمل بمستشفيات القطاع الخاص– التسرب إلى الوحدات الصحية- التحويل المهني)،كذلك مراجعة النشأة المجتمعية السلبية تجاه مهنة التمريض في مصر، وكيف أثر التنمر المجتمعي تجاه الممرضة على تطورها التعليمي والمهني، ورصد التحولات الاقتصادية التي أدت إلى تكالب الشرائح الاجتماعية البسيطة وخاصة الريفية على مهنة التمريض.
بالإضافة إلى الطبيعة النوعية للمهنة والتي هي مهنة خاصة بالإناث فقط مع وجود بسيط جدا للذكور لا يكاد يكون مؤثرا، وما ترتب عليه من حدوث تمازج سلبي بين ثقافة المجتمع ونظرته إلى عمل المرأة بشكل عام وعمل الممرضة من ناحية أخرى -على اعتبار أنها مهنة تتطلب المبيت في مقر العمل أو الاغتراب عن محل الإقامة، مما إدي إلى ضعف الإقبال المجتمعي واقتصاره على شرائح مجتمعية بسيطة ومهمشة من ناحية أخرى.
تسعى الدراسة أيضا إلى التعريف بمهنة التمريض في إطار مقارن مع مهنة الطب، وذلك لتحديد الاختلاف في الدوافع المهنية التي تحمل الممرضات على التخلي عن العمل بالمستشفيات الحكومية، كذلك مناقشة قضية الوعي المهني الذي يساهم في بلورة الحقوق والمتطلبات المهنية وتكوين جماعة مصالح ( نقابة مهنية ) تستطيع الدفاع عن مطالب أبناء المهنة، وهو ما تعاني منه مهنة التمريض نتيجة تدني مستوى التعليم وعدم بلورة كوادر تستطيع صياغة أطر الحراك والتنظيم المهني لأعضائها في صورة برامج وسياسات ومطالبات كما هو الحال بالنسبة لنقابة الأطباء، كذلك التعرض إلى شخص نقيب التمريض ( كوثر محمود من 2012 ومستمرة حتى الآن ) وهي ذاتها رئيس الإدارة المركزية للتمريض بوزارة الصحة، ودراسة مردود هذه الازدواجية، وهذا التعارض بين أهداف المنصبين بوصف الأول يمثل مطالب أعضاء المهنة ومن المفترض أن يمارس ضغطا على الجهة الرسمية لتحقيق تلك المطالب، وكون الثاني مسؤولا عن الوضع المتردي والخلل الذي يعاني منه ممرضات ويؤدي إلى تركهم للعمل الحكومي.
تسعى الدراسة أيضا إلى إلقاء الضوء على عوامل استقرار التمريض العسكري، وذلك من خلال القياس وفق مؤشرات موضوعية مرتبطة بالأجر الوظيفي والامتيازات المهنية، وكثافة المستشفيات وبيئة العمل.
وتأتي المشكلة البحثية للدراسة من خلال السؤال الآتي: (لماذا يتسرب أعضاء مهنة التمريض من العمل بالمستشفيات الحكومية؟ وما أهم مظاهر هذا التسرب؟ وإلى أي مدى ساهمت السياسات العامة لوزارة الصحة في إحداث الفجوة الحالية بين الاحتياج الفعلي لتشغيل المستشفيات الحكومية من الممرضات، وبين ما هو موجود من عجز يزيد عن الــ 50ـ% وفق التصريحات الرسمية للوزارة والنقابة؟).
وسيتم تقسيم الدراسة على النحو التالي:
المدخل الأول: أزمة السياق المجتمعي لنشأة مهنة التمريض في مصر.
المدخل الثاني: مقارنة بين الدوافع المهنية للأطباء والتمريض والتي تؤدي إلى اختلاف أسباب ومظاهر التسرب بالرغم من العمل في بيئة واحدة في إطار تكاملي كأعضاء للفريق الطبي بالمنظومة الصحية المصرية.
المدخل الثالث: أسباب عجز الممرضات بالمستشفيات الحكومية.
المدخل الرابع: دور نقابة التمريض في مواجهة ظاهرة هروب الممرضات من المستشفيات الحكومية.
المدخل الخامس: مظاهر تسرب الممرضات من العمل بالمستشفيات الحكومية.
المدخل السادس: أسباب استقرار عمل الممرضات بالتمريض العسكري مقارنة بالتمريض المدني.
خاتمة: تقييم السياسات وتوصيات الدراسة.
المدخل الأول: أزمة السياق المجتمعي لنشأة مهنة التمريض في مصر
التمريض في مصر يمكن دراسته في إطار دراسة ظاهرة المهمشين بشكل عام، فمهنة التمريض تعرضت لضغوط مجتمعية ساهمت في تشويه نشأتها وتطورها المهني، وعملت إلى جانب السياسات الحكومية الضعيفة حيال ملف التمريض إلى تقويض مسار التمريض وخلق العديد من المشكلات، والباحث يحاول رصد وتحليل أهم الظواهر التي شكلت هذا الوعي المجتمعي الرافض لمهنة التمريض، ودراسة أثر ذلك على السلامة المهنية والتطور المهني لأعضاء مهنة التمريض.
أولا: مظاهر التهميش والرفض المجتمعي لمهنة التمريض
الطابع النوعي للمهنة Gender: التمريض مهنة ذات طابع نوعي نسائي حتى أنه يطلق عليها مجازا مهنة الممرضات، بالرغم من المحاولات الحالية لإدخال الذكور بمهنة التمريض، نظرا لتطور متطلبات المهنة ولسد العجز بالمستشفيات، إلى أن عدد الذكور والذي ظل لا يتجاوز ال 2% حتى وقت قريب ثم قفز إلى 9% عام2015 وفق تصريحات نقيب التمريض والتي أكدت أن أول دفعة من كليات التمريض رجال تخرجت من جامعة عين شمس عام 2007 .
وقد ساهمت النشأة النسائية لمهنة التمريض إلى عزوف الرجال عن الرغبة في العمل في تلك المهنة، وعمليات الدخول إلى هذا الحقل في السنوات الماضية من جانب الذكور لم تكن ناتجة من تحول فكري أو نفسي مجتمعي حيال المهنة، لكنه نابع من تردي الأوضاع الاقتصادية، وانتشار معدل البطالة.
وتعد النشأة النسائية من العوامل التي أثرت على التطور التعليمي والاجتماعي لمهنة التمريض، ففي مجتمع عانى كثيرا من رفض تعليم الفتاة وحارب عمل المرأة وأوجد المبررات الشرعية لتحريمه، كان من الصعب أن ينهض بمهنة جميع أعضائها إناث.
المجتمع المحافظ: لم يكن بالأمر اليسير على المجتمع المصري المحافظ أن يقبل أن تعمل الفتاة في مجال عمل يسمح لها بالمبيت خارج المنزل والمبيت في المستشفى الذي يفرضه نظام عمل المستشفيات من خلال نظام عمل قائم على ” النوباتجيات “، كما أن ندرة عدد المستشفيات والوحدات الصحية بالريف والمدن المصرية، ساهم في عدم رغبة المصريين في إدخال بناتهم لمهنة التمريض ذلك لما تفرضه العوامل الجغرافية ونظام المواصلات المعقد من اغتراب الفتاة والإقامة خارج قريتها أو مدينتها والمبيت في المستشفيات في سكن الممرضات.
رفض طبيعة المهنة: من الأمور المهمة التي ساهمت في تنمية التوجه المجتمعي الرافض لمهنة التمريض، هو طبيعة المهنة التي تجعل الممرضة ترافق المريض ويكون عرضة للانكشاف أمامها أثناء العمليات أو عند الحقن أو التغيير على الجروح، وتعتبر هذه الإشكالية من الأمور المهمة التي ساهمت في إحجام المجتمع عن إرسال بناته للعمل بمهنة التمريض.
اعتبار التمريض مهنة سيئة السمعة: هناك بعض النظرات المتطرفة داخل المجتمع المصري التي تنظر إلى الممرضة على أنها تعمل بمهنة سيئة السمعة، وأن الممرضة تخلع برقع الحياء نظرا لأنها تلامس المرضى أحيانا عند قياس النبض مثلا، وتسهر ليلا في المستشفيات، ومعرضة للمبيت في كثير من الأحيان.
مدارس التمريض: أدت سياسات مدارس التمريض إلى زيادة إحجام المجتمع عن مهنة التمريض، فمدارس التمريض كانت تقبل الحاصلات على الشهادة الإعدادية ممن لا يتعدى عمرهن ال 15 عاما، وكانت تتخرج الفتيات في سن الـ 18 عاما وتبدأ ممارسة حياتها العملية في سن صغير جدا، وبالنظر إلى ما ذكرناه سابقا عن طبيعة المجتمع وموقفه من عمل المرأة، فإن خروج الفتاة للعمل في هذا السن المبكر وهي قاصر، وغالبا غير متزوجة، كان من العوامل التي شكلت الوعي المضاد للمواطن المصري تجاه مهنة التمريض.
وفي هذا السياق أكدت الدكتورة نوال فؤاد رئيس الإدارة المركزية للتمريض السابقة أن قبول الطلاب بعد الإعدادية مباشرة نظام لا يعمل به في كل دول العالم إلا في مصر والسودان والعراق وأفغانستان وهذا خطأ حيث أن الطلاب في هذه المرحلة ليسوا على درجة وعي جيدة تؤهلهم للتعلم في هذه المهنة، بالإضافة إلى أن معلوماتهم عن الحياة ضعيفة وبالتالي يكون مستوي الأداء بسيطا جدا، وأن هذا النظام مرفوض تماما في كل دول العالم .
ثانيا: أثر النظرة المجتمعية السلبية على مهنة التمريض.
ساهمت العوامل السابقة في نشأة مضطربة لقطاع التمريض في مصر، كما أثر ذلك على الخلفية المجتمعية للمنتسبين للمهنة، وأيضا على قدرة المجتمع على بلورة رأي عام مدافع عن حقوق الممرضات، بل ساهم أحيانا في تعرض الممرضات للإيذاء والعنف والاضطهاد أحيانا من جانب المواطنين المترددين على المستشفيات، وفيما يلي رصد لأهم الآثار المترتبة على الموقف المجتمعي الرافض لمهنة التمريض:
الاقتصار المهني على الفئات الفقيرة والمهمشة.
أدت الظروف المجتمعية المناهضة لمهنة التمريض، إضافة إلى دور الدولة الضعيف في تطوير قطاع التمريض، والمردود المالي البسيط كعائد مترتب على العمل بمهنة التمريض إلى اقتصار الرغبة في العمل بالتمريض على الفئات الفقيرة والريفية والمهمشة كنتاج لتضافر العلاقة غير المتوازنة مع ثلاثية (السلطة والموارد والقيم السائدة ).وقد ساهم ذلك في خلق جماعة مهنية مختلفة عن كل الجماعات المهنية في مصر، فالمتابع للشأن المصري يعرف أن كل المهن الحكومية المدنية (تدريس– أطباء– محاسبين) يمثلون جميع شرائح المجتمع وجميع بيئاته ويحظر عليهم العمل بالمهن المسماة سيادية،(و هي المهن التي تحتجرها الواسطة والمحسوبية مثل ضباط الجيش– الشرطة– القضاة)،فهم بذلك ممثلون لشرائح الثروة والسلطة والنفوذ الاجتماعي، لكن هذا الشكل غير موجود في مهنة التمريض.
وبذلك فنحن أمام هرم سلطوي لسياسات التوظيف في مصر ليس قائم على القواعد المهنية المعروفة من خلال الإتاحة لجميع أبناء الوطن والمساواة بين الوظائف وجعل الامتيازات مرتبطة بالفوارق المهنية التي تطلبها طبيعة كل مهنة، ويأتي في قاع هرم التوظيف في مصر مهنة التمريض التي لا تستوعب إلا أصحاب الحاجة من الفقراء والمهمشين والفئات الأقل تعليما.
وجود كيان نقابي ضعيف.
أدى انخفاض مستوى التعليم للممرضات، بالإضافة إلى الانحدار من بيئات اجتماعية فقيرة ومنخفضة الوعي إلى عدم القدرة على تكوين كيان نقابي مهني قوي كما هو الحال بالنسبة لنقابة الأطباء أو المهندسين أو المحامين، وبالتالي لم يستطع أعضاء مهنة التمريض بلورة رؤية حقيقية للنهوض بالمهنة أو تحسين أوضاعهم المادية أو حتى تحسين الصورة المجمعية السلبية تجاههم.
الشعور بالعزلة والاضطهاد المهني.
أكدت نقيب التمريض في حوار لها عام 2015 أن الممرضات يتعرضن للتمييز العنصري، وبالنظر إلى الشكوى الدائمة للممرضات من سوء المعاملة التي يتلقونها من الأطباء، ومن المواطنين على حد سواء، وتكرار الحديث عن أهميتهم المهنية وأنهم لا يقلون عن أحد، كل تلك الأمور المتكررة تؤكد تكريس الشعور بالاضطهاد، والنبز المجتمعي الذي يعاني منه الممرضات في مصر.
ثالثا: التقييم:
على عكس النشأة المجتمعية في أوروبا والولايات المتحدة لمهنة التمريض، والتي كانت في بادئ الأمر مهنة تطوعية تقوم بها الراهبات في الكنائس والكاتدرائيات وبالتالي كانت مهنة ذات طابع ديني وإنساني؛ جاءت نشأة مهنة التمريض في مصر نشأة مجتمعية مشوهة لم تحمل طابعا دينيا أو إنسانيا يعزز من مكانة الممرضة الاجتماعية، وينتصر لكفاحها من أجل شفاء المرضى ويكسر الأمور الشكلية التي وقف عندها المصريون ليس لرفض المهنة فقط بل واتهامها بأنها مهنة سيئة السمعة ولا تليق بأبناء العائلات أو القبائل المحترمة.
وقد أدت تلك النشأة المشوهة إلى إحداث اختلالات في مسار التطور المهني لأعضاء مهنة التمريض، وإلى قدرتهم على الحصول على فرص تعليمية أكبر، وقدرتهم على تنظيم أنفسهم في كيان مهني قوي، وتنامي شعورهم بالتهميش والعزلة والانزواء والاضطهاد المجتمعي، وهو ما عظم دوما الرغبة لديهم في ترك المهنة والبحث عن مهن بديلة.
المدخل الثاني: اختلاف دوافع العمل بين الأطباء والتمريض
يعد اختلاف الدوافع المهنية بين الأطباء والتمريض من المداخل التفسيرية المهمة التي ستساعدنا في تحديد أسباب ومظاهر تسرب الممرضات عن العمل؛ فبالرغم من أن بيئة العمل واحدة ومن المفترض أن تنحصر في إطار تكاملي لأعضاء للفريق الطبي بالمنظومة الصحية المصرية، إلا أن منظومة العمل المصرية نظرا لطبيعة هيكل السياسات الحكومية القائم على التمييز الوظيفي ومن ثم التجنيد الطبقي والاجتماعي للمهن المختلفة ساهم في خلق مساحات من عدم التوافق وأحيانا الصراع داخل أعضاء العمل بالعديد من المؤسسات المصرية نظرا لتضارب الأهداف والطموح والمسار الوظيفي وبناء القدرات العلمية والتدريب.
وفيما يلي تحديد للإطار النظري لظاهرة دوافع العمل من خلال (تحديد مفهوم الدوافع- أهمية دوافع العمل- ونظرية الدوافع)، كما نهتم أيضا بتحديد الأسباب التي أدت إلى وجود دوافع عمل مختلفة داخل بيئة العمل الواحدة، ثم التعرض إلى دوافع التمريض ومظاهر تمايزها عن دوافع الأطباء، ودراسة أثر ذلك على المفهوم الرئيس للدراسة وهو التسرب من المستشفيات الحكومية.
أولا: الإطار النظري لظاهرة دوافع العمل.
مفهوم دوافع العمل.
الدافع هو حاجة غير مشبعة يؤدي إلى سلوك معين للفرد، ويتحدد هذا السلوك اعتمادا على قوة الدافع فالبحث عن الأكل يأتي من واقع طبيعي هو الجوع وبمجرد إشباع هذه الحاجة ينقضي هذا السلوك ومما تقدم يمكن تعريف الدافع بأنه: (حاجة غير مشبعة، أو هو حاجة داخلية تنبع من داخل الفرد، وتحدث نوعا من عدم التوازن، هذه الحاجة غير المشبعة تدفع الفرد لاتخاذ سلوك تجاه هدف محدد).
وتعرف دوافع العمل بأنها الرغبة لدى الأفراد في بذل اقصى الجهود لتحقيق الأهداف التنظيمية.
أهمية دوافع العمل.
من أهم الفوائد المترتبة على دراسة وتشخيص دوافع الأفراد العاملين ما يلي:
تشخيص الدوافع يساعد المنظمة على إشباعها بالوسائل التحفيزية المادية والمعنوية.
تؤدي الدوافع الإيجابية إلى زيادة التعاون بين الأفراد أنفسهم وبينهم وبين الإدارة.
تساعد الدوافع الإيجابية على تقليل الصراعات بين الأفراد داخل المنظمة.
تساعد الدوافع الإيجابية على زيادة إبداع الأفراد في العمل.
يساعد تشخيص الدوافع على تحديد توجهات المنظمة واستراتيجياتها المستقبلية.
يساعد تشخيص الدوافع على إعداد وتصميم البرامج التدريبية المؤثرة في الدوافع وتنميتها.
نظرية الدوافع
من أهم نظريات الدوافع نظرية ماسلو للحاجات، ويرى ماسلو بأن هناك خمس مجموعات من الحاجات الأساسية تتدرج من الحاجات الفسيولوجية الى حاجات الأمان ثم الحاجات الاجتماعية ثم حاجات التقدير وصولا إلى حاجات تأكيد الذات.
ثانيا: أسباب دوافع العمل المختلفة في مصر.
ساهم الشكل الإقصائي والتمييزي الذي يعد أحد أهم ملامح نظام العمل العام في مصر، والذي يحافظ على الفصل المهني والاجتماعي والتعليمي بين العاملين في مجال واحد بما يصعب من عملية الترقي المهني والتجنيد البيروقراطي للعاملين في المهن المساعدة، ومن ثم (احتكار طبقي للوظائف المهمة في الحكومة المصرية).
و الأمثلة على ذلك كثيرة فوزارة الخارجية تمارس فصلا مهنيا بين الدبلوماسي والموظف الإداري ولا تسعى إلى تطوير مهارات العاملين الإداريين في تعلم اللغات الأجنبية، أو تسمح لهم بتحويل المسار المهني في حال الحصول على دراسات عليا أو حتى دراسة اللغات الأجنبية ليظل هناك فارقا في الامتيازات بين الإداري والدبلوماسي، الحال كذلك في وزارات الدفاع والداخلية فأمين الشرطة أو صف الضابط ينحدرون من بيئات فقيرة وحاصلون على درجات علمية متواضعة جدا قد تكون أقل الشهادة الثانوية الفنية أو تجارية أو الزراعية (الشهاد الإعدادية )، كما أن محاولة أمناء الشرطة الحصول على كليات حقوق من أجل التسوية المهنية والتحول إلى فئة ضباط لم تمكنهم من التحول إلى ضباط، وذلك لأن التسويات في الداخلية محظورة، لا يختلف الحال في وزارة العدل التي لا تسمح للعاملين بها من خريجي كليات الحقوق حتى لو حصلوا على درجة الدكتوراه من الدخول إلى سلك القضاء.
وهو نظام معمول به في كافة وزارات الدولة المدنية فظاهرة الفصل المهني والطبقي منتشرة داخل مؤسسات الدولة المصرية، وقد ساهم هذا التوجه في صنع السياسات العامة إلى خلل كبير في المتوسط الأجر النسبي بين العاملين في المجال الواحد على أسس غير مهنية، وقد أدت تلك السياسات إلى خلق كيان بيروقراطي غير متوازن وغير متفاهم ومنقسم إلى جماعات مصالح متنافسة ومتضاربة قلت معها كفاءة وفاعلية هياكل المنظومة الحكومية.
ولا يقتصر التمييز على الحوافز المالية والتركيبة الهيراركية للقيادة وقتل الطموح الوظيفي بل يمتد التمييز أيضا إلى نظم الرعاية الصحية المتوفرة ووسائل الترفيه (أندية القوات المسلحة والشرطة) وهو ما جعل شكل مكون العمل الحكومي في مصر يتحول إلى ثلاث طبقات متفاوتة ومختلفة اجتماعيا وثقافيا وتعليميا داخل العمل وخارجه، وهي مصنفة كالتالي: (طبقة السلطة في المؤسسات المسماة سيادية- طبقة البيروقراطية المدنية- طبقة المهمشين من خدمات معاونة وتمريض وعمال فنيين).
ثالثا: الاختلاف بين دوافع التمريض والأطباء
ترجع أهمية دراسة دوافع العمل المختلفة بين الأطباء وأعضاء مهنة التمريض إلى سبين، الأول مرتبط بحجم التسرب الوظيفي وهجرة المستشفيات الحكومية سواء للعمل الخاص في مصر أو الهجرة الخارجية، والثاني مرتبط أسباب التسرب المختلفة لدى القطاعين، والثالث تحديد شكل ومظاهر التسرب بشكل واضح ودقيق لكل من الطرفين.
دوافع الأطباء المهنية.
هناك دوافع مهنية واجتماعية ساهمت بشكل كبير في هجرة الأطباء الذي سبب إزعاجا للسلطة المصرية والتي فشلت حتى الآن في التصدي لتلك الظاهرة كما أشرنا في التقرير السابق عن تسرب الأطباء، وأهم تلك الدوافع (الدوافع المالية- دوافع تعليمية (الدراسات العليا والتدريب) – تمييز وظيفي لصالح فئات أقل تعليما (القضاة وضباط الجيش والشرطة) – بيئة عمل غير سليمة- تكليف الاطباء – الخيارات البديلة سواء في الداخل أو الخارج ) لكنها تختلف عن دوافع التمريض المهنية.
دوافع التمريض المهنية.
دوافع مادية.
والمتمثل في الأجل غير العادل والضعيف الذي تحصل عليه الممرضة مقارنة بالعمل الخاص أو العمل بالخليج.
عدم التقدير المهني.
تعاني الممرضة في مصر من ظاهرة التهميش المجتمعي كما أسلفنا، ومن سوء المعاملة من المواطنين، ومن ضغط الأطباء وسوء المعاملة أحيانا (النظرة الدونية).
ويمكن استخدام مفهوم دوافع العمل المختلفة كمدخل تفسيري لتحديد أسباب الهروب من مستشفيات وزارة الصحة والمستشفيات الجامعية، وفي هذا السياق تجدر الإشارة إلى أن عدد الممرضات المقيدات بالنقابة العامة للتمريض قد بلغ 220 ألف ممرضة وفق تصريح نقيب الأطباء في يوليو 2015، يعمل منهم 185 ألف بالمستشفيات الحكومية، والباقي وعددهم 35 ألف ممرضة يعملون بالقطاع الخاص ومهاجرات للخليج وعلى المعاش، وهو ما يعني أن نسبة التسرب وعدم الممارسة (المعاش) قد بلغت 19 % تقريبا.
ومن المرجح حاليا أن يتراوح العدد ما بين 240 إلى 250 ألف ممرضة وفق ما أعلنه نقابة التمريض والعجز بالتمريض يعادل 20% من احتياجات المستشفيات.
كما أشارت الدكتورة هدى زكي مستشارة وزير الصحة السابقة لشئون التمريض أن مصر تخالف معايير التمريض العالمية التي تؤكد أن كل ممرض ملتزم برعاية 5 مرضى في الأقسام العادية وممرض واحد في الرعاية المركزة، لكن في المستشفيات الحكومية يلتزم كل ممرض ب 8 مرضى وفي الرعاية المركزة يلتزم برعاية 3 مرضى، وهذا يؤثر بالسلب على المريض ويؤخر احتمال الشفاء في نفس الوقت فإن الممرض يبذل جهدا كبيرا بدون مقابل [14].
وتلك النسب تتناقض مع ما أعلنته النقابة في نوفمبر 2016 من أن عدد العجز بالتمريض أصبح 20 ألف فقط منهم 11 ألفا في المستشفيات الجامعية و9 آلاف بمستشفيات وزارة الصحة، وأن أعداد الخريجين سنويا تتراوح ما بين 8 إلى 10 آلاف خريج وهو ما سنتعرض له في ختام الدراسة
الخلاصة:
ساهمت عملية دراسة دوافع العمل المهنية والنفسية لأعضاء مهنة التمريض في تحديد عدة أمور تنبني عليها الأولويات المهنية وتحديد خيارات العمل البديلة بشكل مختلف عن الخيارات والبدائل التي سببت تسرب الأطباء من منظومة الصحة بشكل كبير، ونظرا لأن دوافع العمل مرتبطة ببيئة العمل والطموح والتقدير المهني والمادي والرغبة في التطوير والتقدم المهني، فإن الدوافع لدى أعضاء مهنة التمريض ليست كبيرة نظرا لانخفاض مستوى التعليم والتهميش الوظيفي المرتبط بانخفاض الأجور ومحدودية الترقي الوظيفي، وبالتالي فإن التسرب خارج المنظومة الصحية الرسمية ليس من الأولويات الكبرى للممرضات أو حتى من أوراق الضغط التي تمارسها على السلطة التنفيذية كما يفعل الأطباء، وهذا ما يفسر محدودية التسرب خارج المنظومة الرسمية والتي تتراوح بين 15 إلى 20% فقط.
وبالتالي ساهمت الدوافع المهنية في تحويل شكل التهرب في مهنة التمريض ليأخذ شكل التهرب داخل المسار المهني أو التسرب السلبي من خلال الهروب من العمل بالمستشفيات والأقسام التي تتطلب جهدا كبيرا أو تحتاج إلى المبيت بالمستشفى أو العمل تحت ضغط لأوقات كبيرة، ويأتي هذا الهروب إلى الوحدات الصحية والأعمال الإدارية، والعمل بمدارس التمريض أو المستشفيات والمراكز الصغيرة والمحدودة.
و بناء على ما سبق فإن التوصيف الحقيقي لأزمة التمريض في مصر أنها ليست أزمة تسرب وهروب خارج المنظومة الصحية الرسمية، كما أنها ليست أزمة ناتجة عن ندرة في الاختصاص كما هو الحال مثلا بالنسبة لأطباء التخدير أو الأوعية الدموية، لكنها أزمه سوء توزيع وخلل في أولويات صنع السياسة العامة وتحديد الاحتياجات الفعلية بين المستشفيات والوحدات من ناحية وعجز في تقدير الاحتياجات الحقيقية من الخريجين مما تسبب في عجز شديد بالمستشفيات، ونحن سنقوم من خلال المدخل القادم بدراسة وتحديد أسباب عجز التمريض بالمستشفيات الحكومية.
المدخل الثالث: مظاهر تسرب التمريض.
من خلال هذا المطلب سنناقش مظاهر التسرب داخل منظومة التمريض الرسمية، وفيما يلي أهم مظاهر التسرب بقطاع التمريض:
1- السفر للعمل بالدول العربية.
من أهم مظاهر التسرب داخل قطاع التمريض الرسمي السفر إلى الدول العربية وخصوصا الخليجية، وليس هناك أرقاما معلنة من قبل وزارة الصحة المصرية أو النقابة العامة للتمريض حول حجم الممرضات العاملات بالخارج، ويمكن في إطار تقريبي وفق ما أعلن من أن الحجم الكلي للتسرب يصل إلى 20% – منهم المعاشات – أن نقرب العدد إلى 10 % كإجراء تقريبي لا يتعدى ال 20 ألف ممرضة.
كما أن التخصصات التي ترغب الدول العربية في التعاقد معها نادرة وتتمثل في أخصائي تمريض عناية مركزة وتمريض صحة نفسية وتمريض طوارئ، كما أنهها تفضل دوما الممرضة الأسيوية وليس المصرية.
وتجدر الإشارة أن الظروف الاجتماعية والزواج والإنجاب وعدم تقبل المجتمع لسفر المرأة وإقامتها منفردة بدولة أخرى تقلل من احتمالية السفر كخيار أولي لأعضاء مهن التمريض، أو تجعل المدة لا تتجاوز عدة سنوات بسيطة.
2- العمل في مستشفيات القطاع الخاص.
أشار تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات الصادر في 12 مايو 2018 بمناسبة اليوم العالمي للتمريض إلى أن إجمالي عدد أعضاء هيئة التمريض القائمين بالعمل في القطاع الخاص 20 ألفا و53 ممرضة في 2016.
وهي تقريبا 10% من إجمالي عدد القائمين على رأس العمل فعليا والبالغ عددهم 207 ألفا منهم 187 بالقطاع الحكومي وفق نفس التقرير.
3- تحويل المسار الوظيفي.
انتشرت في السنوات الماضية خصوصا في ظل انتشار كليات التعليم المفتوح في مصر ظاهرة تحويل المسار الوظيفي لدى الممرضات من خلال الدراسة بالجامعات المفتوحة (حقوق – تجارة – آداب – إعلام) لتحويل المسار الوظيفي وترك مهنة التمريض.
يعتبر تحويل المسار الوظيفي من المردودات السلبية المترتبة على النظرة المجتمعية لمهنة التمريض، حيث أن التحويل قد لا يترتب عليه مزايا مادية، وأحيانا يكون المردود المادي أقل، لكن في التحليل الأخير تفضل الممرضة ترك المهنة للتخلص من الضغط الاجتماعي وأسري أحيانا، كذلك بيئة العمل والضغوطات التي تتعرض لها بالمستشفيات.
4- العمل كزائرة صحية بالمدارس.
أدى الضغط المجتمعي على الممرضات إلى التفكير دوما في الهجرة من المستشفيات إلى وظائف أخرى إدارية كما أشرنا في الفقرة السابقة، وفي حال العجز عن الحصول على وظيفة إدارية فإنهن يتسابقن على العمل بالمدارس كزائرات صحيات، وبالتالي يكن قد تخلصن من عبء العمل في المستشفيات وما ينتج عنه من ضغط مجتمعي وعائلي قد يصل أحيانا إلى الخلافات الزوجية الحادة التي تؤدي إلى الانفصال.
5- الإجازات بدون راتب بأنواعها.
حيث أشار الدكتور أشرف حاتم – وزير الصحة السابق والأمين العام للمجلس الأعلى للجامعات- إلى أن أهم المشكلات التي تواجهه التمريض في مصر أن قانون 47 يسمح للموظفة بما يسمي مرافقة زوج وإجازة وضع وإجازة رعاية طفل مما تسبب في أن تكون جملة ما تعمله الممرضة طوال عمرها الوظيفي 10 سنوات رغم أنه من المفترض أن يعمل الموظف في مصر 35 عاما، وهذا الفارق الضخم يساهم دائما في تكريس العجز شديد في قطاع التمريض.
المدخل الرابع: أسباب عجز الممرضات بالمستشفيات الحكومية.
من العرض السابق في المدخل الثاني تبين أن معدل هجرة المستشفيات الحكومية في الحدود الآمنة والمتعارف عليها ولا يتعدى ال 15% على أقصى التقدير، وفي ذات الوقت ومن خلال التعرف على دوافع عمل أعضاء مهنة التمريض والذين يندرجون من أوساط تعليمية واجتماعية بسيطة والتي تبين أنها دوافع محدودة وأن جل متطلبات أعضاء مهنة التمريض تنحصر في التقدير المادي والمعاملة الكريمة وتغيير النظرة المجتمعية السلبية.
وبالرغم من ذلك فإن وزارة الصحة والنقابة العامة للتمريض والبرلمان يتحدثون عن أزمة كبيرة في مصر في قطاع التمريض وعن إغلاق عدد من المستشفيات وبعض الأقسام نظرا لعجز التمريض، ونحن هنا سنقوم بتحديد أسباب ذلك العجز والتي يرى الباحث أنها نابعة من السياسات الصحية المتبعة في إدارة ملف التمريض، ويمكن تلخيص أهم أسباب عجز المستشفيات من خلال النقاط التالية:
أولا: الهروب من المستشفيات الجامعية.
المستشفيات الجامعية هي حجر الزاوية لمنظومة الطب في مصر، وهي مستشفيات ذات طابع مركزي تتمركز في عواصم المحافظات فقط ويبلغ عددها 109 مستشفى على مستوى الجمهورية (ارتفعت إلى 110 بنهاية 2018) بقوة 31 ألف سرير بما يعادل ثلث عدد الأسرة بالمستشفيات الحكومية، و4661 سرير عناية مركزة بما يعادل نصف عدد الأسرة بالقطاع الحكومي.
تأتي مشكلة العجز لدى المستشفيات الجامعية نتيجة لعدة أسباب وهي:
نظام تعديل التكليف.
من الأمور المهمة التي لا تراعي احتياجات المستشفيات الجامعية هي ظاهرة تعديل التكليف، وهي الظاهرة المرتبطة بالواسطة والمحسوبية والدور الضاغط لأعضاء مجلس النواب، وفي هذا الصدد تعددت شكاوى المستشفيات الجامعية دون جدوى فقد أكدت صباح أنور- مدير عام التمريض في مستشفيات جامعة أسيوط – أن المستشفيات تعاني منذ سنوات من عجز التمريض.
وأضافت: ” تحدثنا مع وزير الصحة أكثر من مرة في الأمر، فلدينا ٤٠٠٠ سرير منها ١٢٢ سرير طوارئ، ونستقبل الطوارئ من مختلف محافظات الصعيد ولدينا ١٩٦ سرير عمليات و٢٠٠ سرير عناية مركزة بالإضافة إلى المتبسرين وكل هؤلاء تخدمهم ٢٥٠٠ ممرضة وهذا العدد غير كافٍ إلا لأسرة العناية المركزة والعمليات فقط”.
وأن وزارة الصحة ترسل على الأكثر ٢٠٠ ممرضة كل عام يعملن في المستشفيات الجامعية على الأكثر شهرين ويتم تعديل تكليفهن إلى مستشفيات وزارة الصحة على الرغم من أن مستشفيات وزارة الصحة في أسيوط لديها ١٤ ألف ممرضة وبها فائض في هيئة التمريض ووجود ٢٥٠٠ ممرضة بـ١٠ مستشفيات جامعية بأسيوط.
زيادة أعداد المستشفيات الجامعية.
أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء أن عدد المستشفيات الجامعية وفق إحصاء عام 2012 قد بلغ 77 مستشفى جامعي بجميع الجامعات المصرية، فيما أكد خالد عبد الغفار– وزير التعليم العالي الحالي– في ديسمبر 2018 أن إجمالي عدد المستشفيات الحكومية التابعة للمستشفيات الجامعية قد بلغ 110 مستشفى، ولم يواكب تلك الزيادة الكبيرة زيادة في أعداد الخريجين من كليات التمريض.
وفي هذا الصدد أشارت الدكتورة مها عادل سالم- عميدة كلية التمريض جامعة الإسكندرية- إلى أن السبب الرئيس لأزمة نقص التمريض يرجع إلى قلة الأعداد من الطلبة الملتحقين بالكلية، فمنذ سنوات عديدة لم يكن هناك احتياج إلى أعداد كبيرة من هيئة التمريض لأن عدد المستشفيات كان محدودا سواء الجامعية أو المؤسسة العلاجية أو المستشفيات الخاصة، وكان عدد الملتحقين بالكلية حينذاك لا يتعدى 200 طالب وطالبة وكان كافيا إلى حد ما، أما في الوقت الحالي فقد تراوح عدد الدفعة بالكلية من 400 إلى 500 طالب وطالبة في مقابل زيادة كبيرة في أعداد المستشفيات، وبالتالي زيادة في عدد الأسرة والمرضى بالإضافة إلى وحدات العلاج الحرج ولكل هذا أصبحنا في حاجة إلى ما لا يقل عن 15 ألف ممرض وممرضة لتقديم مستوى عال من الخدمة الطبية.
والخلاصة، أن الزيادة في أعداد المستشفيات الجامعية لم يصاحبها زيادة في أعداد التمريض بنفس النسبة، وذلك بسبب غياب التخطيط المسبق لدى القائمين على صنع السياسات الصحية في مصر لمواجهه هذه الزيادة الجديدة. غياب التخطيط مع عدم وجود سياسات بديلة لسد العجز فاقم من حجم المشكلة.
نظام البدلات والحوافز.
ينطبق هذا السبب على المستشفيات الجامعية والمستشفيات التابعة لوزارة الصحة نظرا لتدني البدلات والحوافز وعدم وجود فوارق مالية بين الممرضات العاملات في المستشفيات أو الوحدات الصحية وهو ما يجعل الممرضات يفضلن العمل بالوحدات للهروب من النوباتجيات والمبيت في المستشفيات.
بالنسبة لملف بدل العدوى والذي جاهدت فيه كثيرا نقابة الأطباء لتحسينه لجميع أعضاء الفريق الطبي دون أي رجع صدى من جانب الدولة فهو محدد ب 19 جنيها لكل من الأطباء والتمريض والعلاج الطبيعي على حد سواء، وقضية بدل العدوى هي قضية إنسانية بالأساس وقضية عدالة اجتماعية، فبدل العدوى للممرضة التي تلازم المريض 19 جنيها قد يتناقص إلى 16 جنيها فقط، في حين يصل إلى 3000 جنيها بالنسبة للقضاة، و500 جنيها للصرافين بالبنوك.
أما فيما يتعلق ببدل النوباتجيات فقد أكد أحمد عماد الدين راضي وزير الصحة السابق في فبراير 2018 أن بدل نوباتجية (12 ساعة عمل) الممرضة في اليوم 12 جنيها فقط.
أما الراتب الكلي الذي تتقاضاه الممرضة في الشهر لا يتجاوز ال 1300 لي 1400 بالنسبة للممرضة حديثة التخرج، في حين أن من يعمل بالمهنة منذ 25 عاما لا يتعدى راتب 2200 جنيه، وذلك وفق تصريحات هشام مبروك المتحدث الرسمي باسم النقابة العامة للتمريض في يوليو 2017.
عامل التوزيع الجغرافي.
من الأمور المهمة التي ساهمت في عجز المستشفيات الجامعية أن معظم خريجات كليات ومعاهد التمريض ليسوا من أبناء النطاق الجغرافي للمستشفى الجامعي التي تتسم بالطابع المركزي نظرا لوجودها بعواصم المحافظات، مع مراعاة أن الخريجات إناث، وبالتالي يستحيل استمرار عملهن في بلاد بعيدة عن محل إقامتهن الأصلية خصوصا مع الزواج والإنجاب، وهو ما يجعل استمرارهن بالمستشفيات الجامعية مستحيلا.
ثانيا: الهروب من مستشفيات وزارة الصحة.
لا يختلف الحال كثيرا بالنسبة لمستشفيات وزارة الصحة، فهي تواجه نفس المشاكلات التي تواجهها المستشفيات الجامعية، وترجع أسباب الهروب من المستشفيات العامة والمركزية لعدة أسباب أهمها:
النقل من مستشفى لأخرى.
تنتشر في وزارة الصحة ظاهرة نقل الممرضات من مستشفى لأخرى مع عدم مراعاة وجود عجز يكون أحيانا شديدا في تلك المستشفيات، وفي ديسمبر 2017 قام وزير الصحة السابق أحمد عماد بنقل مدير مديرية الشئون الصحية بالجيزة لرفضه تنفيذ 150 تأشيرة لأعضاء مجلس النواب بنقل أطباء وممرضات من مستشفيات بها عجز إلى مستشفيا أخرى، وقام على إثر الواقعة وكيل الوزارة بتقديم الملف إلى الرقابة الإدارية ونشر التأشيرات في الإعلام، ويمكن مراجعة التأشيرات من خلال الرابط التالي.
اللافت في الموضوع أن وزير الصحة يوافق على نقل ممرضة من مستشفى بها عجز إلى مدرسة تمريض غالبا ليست بحاجة إليها، كما أنه يوافق على نقل ممرضة من مستشفى بها عجز إلى مستشفى وهمية كما أكد مدير المديرية المقال بقوله: ” موافقته على نقل ممرضة من مستشفى 6 أكتوبر المركزي التي تعاني عجزا شديدا إلى 6 أكتوبر التعليمي، مشيرا إلى أنه لا يوجد في الأساس مستشفى اسمها 6 أكتوبر التعليمي “.
النقل إلى الوحدات الصحية.
يؤدي ضغط أعضاء مجلس النواب على وزارة الصحة إلى مخالفة قرار وزير الصحة رقم 163 لعام 2009 والذي يقضي بألا يتم نقل الممرضة من مستشفى عام أو مركزي إلى وحدة صحية إلا بكومسيون طبي.
وقد تزايدت تلك الأزمة في السنوات الثلاث الماضية نظرا لأن مجلس النواب الحالي هو الأكثر استدامة واستمرارا بعد ثورة يناير 2011، ونظرا لأن ملف توظيف النواب لذويهم قد توقف، كما توقف احتكارهم لتأشيرات برنامج العلاج على نفقة الدولة، وبالتالي لم يعد لديهم في القطاع الصحي إلا الاستجابة لطلبات النقل سواء للممرضات أو الأطباء، وهو ما جعلهم يمارسون ضغطا كبيرا على وزارة الصحة في هذا الملف.
وقتد ساهم تفاقم تلك الظاهرة في السنوات الثلاث الماضية إلى خلل عام في توازن القوى البشرية من التمريض بالمستشفيات، وتكدس بالوحدات الصحية القريبة من محل إقامة الممرضات، وعجز كبير بمستشفيات محافظة الغربية وهي مستشفيات (المنشاوي العام- المحلة العام- بسيون المركزي- سمنود- السنطة- قطور- كفر الزيات) .
في ذات السياق أشار ياسر الدسوقي -محافظ أسيوط – إلى أن العجز في التمريض بالمحافظة يرجع إلى سوء توزيع سابق لطاقم التمريض، حيث يوجد (وحدات بالقرى بها من 6: 7 أضعاف الحاجة صحية) على الرغم من وجود عجز في التمريض بمستشفيات مدينة أسيوط، ويصل العجز في المستشفيات الجامعية إلى 1200 ممرضة بأقسام الحضانات والعناية المركزة والحرجة، كما يصل العجز في مستشفى الإيمان إلى 106 ممرضة وفى مستشفى الصدر 90 ممرضة وفى مستشفى الحميات 90 ممرضة.
كما ندد الحزب المصري الاجتماعي بأسيوط في بيان له بسياسات وزارة الصحة المرتبطة بعملية توزيع الممرضات أسيوط والتي ساهمت في إحداث عجز شديد ببعض المستشفيات الجامعية والحكومية نتيجة لسوء التوزيع.
ثالثا: الهروب من المناطق النائية.
تعاني المناطق النائية والحدودية من عجز دائم في الكوادر الطبية وكوادر التمريض وذلك لعدة أسباب وهي:
1- ضعف حوافز المناطق النائية.
يتطلب العمل بالمناطق النائية والحدودية توفير الحوافز المالية المناسبة لتشجيع العاملين على هجرة أماكنهم الأصلية وتقبل العمل في تلك المناطق الوعرة، في هذا السياق لم تقم وزار الصحة باتخاذ أي إجراءات تشجيعية لجذب العاملين في قطاع التمريض بالمناطق النائية، وقد نظم قانون 14 لسنة 2014 في المادة رقم (12) قواعد الحافز كالتالي:
” يصرف حافز مناطق نائية بنسبة تتراوح بين 200إلى 600% من الأجر الأساسي للأطباء البشريين وأطباء الأسنان والصيادلة وممارسي وأخصائي العلاج الطبيعي والتمريض العالي وفنيي التمريض والفنيين الصحيين المغتربين بالمستشفيات ووحدات الرعاية الصحية التي تقدم خدمة علاجية بمحافظات مطروح والوادي الجديد وأسوان وشمال وجنوب سيناء والبحر الأحمر ومنطقة القنطرة شرق بمحافظة الإسماعيلية ومنطقة الواحات البحرية بمحافظة الجيزة وغيرها من المناطق التي يصدر بشأنها قرارا من رئيس مجلس الوزراء باعتبارها منطقة نائية.
ويصرف هذه الحافز لغير المغتربين من العاملين المشار إليهم حال بعد مقر عملهم عن عواصم تلك المحافظات، وذلك وفقا للضوابط التي تحددها اللائحة التنفيذية لهذا القانون.
وتجدر الإشارة إلى أن هذا القانون يثير أمرين في غاية الأهمية وهما:
تمتع الموظف وفق القانون بمزايا مالية تتراوح ما بين 200 إلى 600% يكون على أساسي الراتب، ولتوضيح الأمور أكثر فإن أخذنا الموظف الذي يعمل بالدولة منذ عشر سنوات كمثال سوف نجد أن أساسي راتبه لا يتعدى ال250 جنيها في حال كان خريجا جامعيا، وفي حال كونه حاصلا على معهد تمريض لا يتعدى ال220 جنيها، وعند حساب الحافز بواقع 100% من الأجر الأساسي وبعد جملة الاستقطاعات لا يزيد من كان راتبه 250 جنيها عن مبلغ 200 جنيها، وهذا يعني أن الممرضة الحاصلة على كلية تمريض والتي تعمل منذ عشر سنوات في حال حصولها على 300% حوافز كقيمة متوسطة، فلن تحصل إلا على 600 جنيها كحافز مناطق نائية فقط، قد تفقد نصفهم في المواصلات في حال الحصول على إجازة شهرية.
أقرت اللائحة التنفيذية أن يصرف حافز المناطق النائية لأعضاء المهن الطبية للمغتربين وغير المغتربين في حالة أن يكون مقر عملهم بعيداً عـن عواصم تلك المحافظات بمسافة لا تقل عن 50 كيلومتر[34]، ويؤثر ذلك سلبا على العاملين من أبناء المناطق الحدودية، ويؤدي إلى العزوف عن العمل بالمناطق الأكثر احتياجا.
اعترض أعضاء المهن الطبية على قصر الحوافز بالمناطق النائية على المستشفيات والوحدات الصحية التي تقدم خدمة علاجية، حيث يخرج القرار بهذه الصيغة الوحدات التي تقدم خدمة وقائية من التمتع بأي مميزات للنائية، وبالتالي توقع عزوفًا شديدًا عن العمل بمكاتب الصحة والحجر الصحي وكل ما له صلة بالطب الوقائي.
2 – عدم إقبال أبناء المحافظات الحدودية على مدارس التمريض.
من الأمور المهمة التي تحتاج إلى دراسة منفصلة هي عدم قدرة الدولة المصرية على دمج أبناء المحافظات الحدودية في نظام الحكم والإدارة بشكل عام، وهو ما يظهر جليا في مناطق مثل جنوب وشمال سيناء وحلايب وشلاتين وواحة سيوة والنوبة.
وقد أدى عدم اهتمام الدولة المصرية بدمج أهل تلك المناطق والارتقاء بالنظام التعليمي وغياب مفهوم التنمية، والذي يسعى إلى تدعيم عملية تأسيس نظم اقتصادية وسياسية متماسكة، وتكمن أهمية التنمية في أبعادها المتعددة، ومستوياتها وارتباطها مع الكثير من المفاهيم الأخرى مثل الإنتاج والتطوير والتقدم والتخطيط، وقد سلط الضوء على مفهوم التنمية منذ الحرب العالمية الثانية، ومن أهم أشكاله (التنمية الاقتصادية– السياسية- العمرانية– المحلية– المستدامة- الصناعية- الزراعية- البشرية- الاجتماعية) [36].
ولم تجد الدولة سبيلا لحل تلك المشكلة إلا من خلال الاعتماد على أبناء المحافظات الأخرى للانتظام في مدارس التنظيم بتلك المحافظات، كما تحول الموقف بمرور الوقت ونظرا للرغبة الملحة في الحصول على وظيفة نظامية في ظل التراجع الاقتصادي الرهيب، ظهرت مافيا وسوقا سوداء لتسهيل التحاق الطالبات من جميع المحافظات بمدارس التمريض بالمحافظات الحدودية، وذلك بتسهيل الحصول على محلات إقامة وهمية بتلك المحافظات وتسهيل عملية التقديم والقبول بالمدارس].
وقد أدى ذلك إلى زيادة تكدس الممرضات في الموطن الأصلي من خلال قيام الطلاب بعد التخرج والتعيين بالحصول على قرارات نقل والعودة إلى المحافظة الأصلية ليتم بذلك مضاعفة الأعداد بالمستشفيات العامة والمركزية والوحدات الصحية بتلك الأماكن، واستمرار ظاهرة العجز بالمناطق النائية
المدخل الخامس: محدودية دور النقابة وتعظيم أزمة التمريض.
من الأمور المهمة عند دراسة أزمة التمريض في مصر التعرض لدور النقابة العامة للتمريض في مواجهة تلك الأزمات، ومحاولة قراءة النهج العام والسياسات المتبعة من قبل النقابة وأولويات القضايا التي تطرحها، ومدى اشتباك النقابة مع وزارة الصحة وضغطها على الوزارة في سبيل تحقيق مصالح أعضائها.
وتجدر الإشارة إلى أن عوامل عدة سبقت الإشارة إليها ساهمت في خلق كيان نقابي ضعيف غير قادر على التعبير الجيد عن إرادة وتطلعات أبناء مهنة التمريض، وأهم تلك العوامل هي:
انخفاض المستوى التعليمي وحداثة تجربة كليات التمريض وقلة الأعداد التي تخرجت منها مقارنة بالأعداد الحاصلة على دبلوم تمريض بعد الإعدادية سواء كان ثلاث سنوات أو خمس سنوات.
النظرة المجتمعية التي ساهمت في حجب الطبقة الوسطى من تفضيل دخول مجال التمريض، وبالتالي أصبحت مقتصرة على الفئات المهمشة والفقيرة.
ضعف تمويل النقابة العامة للتمريض، وبالتالي عدم قدرتها على تلبية احتياجات أعضائها سواء كانت اجتماعية أو مهنية.
والباحث يحاول من خلال تلك الورقة البحثية المعنية بأزمة تسرب التمريض من القطاع الصحي الرسمي تحليل سياسات ومواقف النقابة ومعرفة إلى أي مدى تساهم النقابة في التعبير عن مصالح أعضائها، وقد خلص الباحث إلى مجموعة من المحددات التي ساهمت في الإجابة على تلك التساؤلات وهي:
تحكم السلطة التنفيذية ومؤسسات الدولة بالنقابة.
منذ يوليو 2012 وبعد أن أعلن الدكتور صباح الشرقاوي- رئيس اللجنة العليا المشرفة على انتخابات نقابة التمريض- فوز كوثر محمود رئيس الإدارة المركزية لشئون التمريض بوزارة الصحة- بمنصب نقيب تمريض مصر- بعد حصولها على أكثر من 97% من إجمالي أصوات الناخبين [38]، أصبحت النقابة العامة للتمريض خاضعة بشكل مباشر لسيطرة وزارة الصحة نظرا لكون النقيب هو نفسه المسؤول الأول في وزارة الصحة عن ملف قطاع التمريض، وبالتالي فطوال تلك السنوات السبع لم تقم النقابة يوما بتنظيم أي وقفة احتجاجية أو إصدار بيان ضد سياسات وزارة الصحة أو ممارسة أي ضغط على وزارة الصحة فيما يخص أزمات مهنة التمريض، بل بالعكس تحولت معظم بيانات النقابة إلى إشادات بدور وزارة الصحة ومجهودات الوزارة والوزراء في دعم قطاع التمريض.
وعند سؤال النقيب عن التعارض بين المنصبين على أساس اختلاف المصالح والأولويات بين النقابة والوزارة، قالت : “إن هذه التجربة الفريدة تحدث لأول مرة على مستوى العالم وهى تجربة ناجحة بكل المقاييس فهما يكملان بعضهما البعض وقد قابلت تحديات كثيرة أثناء الانتخابات لاستغلال تلك الجزئية ولكن بهذه التجربة استطعنا تحقيق نجاحات للنقابة منها علاج التمريض بالتأمين الصحي في الدرجة الأولى ونقلهم بسيارات الإسعاف بالمجان وتغيير ترخيص مزاولة المهنة في كيفية أداء دورها المهني طبقًا لتوصيفها الوظيفي، وحل المشاكل بشكل عملي بفضل الزملاء بالوزارة.
تسييس النقابة.
عند تحليل الخطاب العام لنقيب التمريض نجد أنها تقوم بإقحام النقابة في الأمور السياسية والأمثلة في هذا الإطار كثيرة، لكننا سنكتفي بعرض بعض النماذج البسيطة وهي:
حوار مع مبتدأ عند سؤالها عن دور النقابة في حل مشكلة حوافز التمريض قالت في مستهل إجابتها: ” فوجئنا بالتمييز ضد التمريض وتصدينا من خلال النقابة لذلك والحمد لله استطعنا بفضل ثوره 30 يونيو استعاده حقوقنا المادية بشكل أفضل والقضاء على العنصرية التي كانت موجودة أيام حكم الاخوان.
بيان النقابة في 2014 والذي أكدت فيه النقابة تأييد السيسي ودعم مشروع قناة السويس: “قالت نقيب التمريض في بيان لها اليوم: إن المصريين لم يصدقوا أن بوادر الإصلاح الاقتصادي التي وعد بها الرئيس قبل انتخابه ستتأتى بهذه السرعة لعلمهم بمدى التحديات، التي تواجه الاقتصاد المصري ومدى الضعف الذي أصابه خلال السنوات الثلاث الأخيرة، إلا أن الرئيس أوفى بما عاهد شعبه عليه بالعمل على عبور مصر إلى مستقبل أفضل بإطلاق إشارة البدء في مشروع عظيم يوفر أكثر من مليون فرصة عمل بالإضافة إلى الزيادة في الدخل القومي.
تصريح آخر على خلفية مؤتمر الشباب العام الماضي 2018:” الرئيس يتكلم بصراحة وبقلبه ونحن في ثورة حقيقية للبناء والتغيير وفرصتنا أنه لدينا رئيس صادق وقريب من شعبه”.
دعم حملة عبد الفتاح السيسي في الانتخابات الماضية 2018 بتنظيم النقابة مسيرة نيلية.
القضايا والتحديات التي تواجه النقابة.
بمتابعة بيانات النقابة وتصريحات النقيب، تجد أن الأولويات والقضايا التي يتبناها المجلس الحالي، والتي من المبتغى أن تكون معاناة الممرضات في المستشفيات والعجز الشديد الذي تعاني منه المستشفيات، ولكن بتحليل الخطاب الصادر عن نقابة التمريض يمكن رصد أهم مطالبات النقابة ومعاركها في السنوات سبع سنوات الأخيرة من خلال الرصد التالي:
المطالبة بتعيين مساعدا لوزير الصحة لشئون التمريض.
وهو مطلب متكرر طالما أكدت نقيبة التمريض أنه من المطالب المهمة لتطوير جودة أداء مهنة التمريض، وهو مطلب لم يتقدم به أي مجلس نقابة من مجالس نقابات المهن الطبية السبع، والعالم بأمور الهيكل التنظيمي لتعيين الكوادر القيادية بالحكومة المصرية يعرف أن منصب مساعد الوزير هو أرفع منصب بعد الوزير ونائب الوزير إن وجد، ويكون بتعيين من رئيس مجلس الوزراء [44].
وفي التحليل الأخير يعتقد الباحث أن هذا الطلب مطلب شخصي يخص طموح النقيبة الحالية بوصفها رئيس الإدارة المركزية للتمريض بوزارة الصحة، وأن هذا المطلب ناتج عن ازدواجية الخلط بين النقابة والوزارة واستغلال النقيب النقابة للبقاء في منصبها بالوزارة أو الحصول على منصب أعلى واستغلال منصبها في الوزارة للاستمرار كنقيب للتمريض.
المطالبة بالضبطية القضائية.
في حين أن نقابة الأطباء كانت تخوض حربا شرسة مع الدولة من أجل رفع بدل العدوى لأعضاء الفريق الطبي، انصرف اهتمام النقابة العامة للتمريض بقضية حق الحصول على الضبطية القضائية، وهي موجودة بالفعل بوزارة الصحة من خلال إدارة التراخيص والعلاج الحر التي تقوم بالتفتيش على المنشآت الصحية الخاصة، وحصول أعضاء من مهنة التمريض على الضبطية القضائية لن يترتب عليه أي ميزة بالنسبة لأعضاء مهنة التمريض.
رفع قضايا على الأعمال الدرامية.
من القضايا المهمة التي تشغل نقابة التمريض التربص بالأعمال الدرامية، وإلقاء اللوم على الدراما بأنها السبب الرئيس في تكوين النظرة المجتمعية السلبية تجاه مهنة التمريض، ولم يخل الأمر من قيام النقابة برفع قضايا على عدد من الأعمال الدرامية، ت بتهمة تشويه سمعة الممرضات، بل تطور الأمر للمطالبة باستصدار قانون يجرم الإساءة للممرضات في الأعمال الدرامية[46].
الاشتباك مع نقابة الأطباء.
خاضت نقابة التمريض حربا بالوكالة مع نقابة الأطباء عندما أصدرت نقيبة التمريض بيانا أكدت فيه أنها ستتقدم ببلاغ للنائب العام ضد منى مينا –وكيل النقابة العامة للأطباء – بتهمة إثارة الفتنة والإضرار بالأمن القومي، وذلك بعد حديثها عن استخدام بعض المستشفيات للسرنجات لأكثر من مرة، وتضمن البلاغ عدة تهم وهي ( الإضرار بالأمن القومي – إثارة الرأي العام وتشكيك المدنيين في الخدمة المقدمة لهم- إثارة الفتنة وإظهار مصرنا الحبيبة بصورة غير لائقة أمام العالم بما يؤثر على السياحة العلاجية- العنصرية تجاه باقي المهن الطبية )[47].
عدم توصيف أزمة التمريض بشكل صحيح.
عن عمد أو دون عمد لم تستطع نقابة التمريض توصيف أزمة نقص أعضاء هيئة التمريض بالمستشفيات، وبتحليل بسيط للأرقام المعلنة من قبل نقيب التمريض والتي سبق الإشارة ليها بأن عجز التمريض في مصر 20 ألف فقط وهو ما يقل عن 10% من إجمالي عدد الممرضات بمصر والبالغ 250 ألفا، ومع ذلك تؤكد النقابة أن نسبة التسرب 20% وتجمع معها الممرضات على المعاش المقيدين بالنقابة.
وبالتالي فإن النقابة تبالغ في تضخيم ظاهرة التسرب ويجعلها السبب الرئيس للعجز بالمستشفيات وأن ذلك يرجع لضعف الرواتب، وسيتطرق الباحث عند تقييم الدراسة إلى تلك النقطة بشكل أكثر تفصيلا لتحديد التوصيف الحقيقي للظاهرة بوصفها ظاهرة عجز وسوء توزيع وليست ظاهرة تسرب.
من العرض السابق يتضح أن نقابة التمريض بالرغم من البنى الهيكلية وعوامل الضعف المؤسسي التي تعاني منها، بجانب ضعف مواردها؛ إلا أنها لا تمارس الدور المنوط بها تجاه أعضائها، وتعتمد أولويات مختلفة، ويمكن وصف النقابة بأنها تم السيطرة عليها من مؤسسات الدولة والسلطة التنفيذية لتصبح مؤيدة لسياسات العامة للدولة وداعمه لها، فهي تسير في خط متوازي مع رؤية وزارة الصحة لا تحيد عنه، بل تقوم في كثير من الأحيان بتبرير وتمرير تلك السياسات، وهو ما يجعلها بعيدة عن أي محاولات جدية لإصلاح منظومة التمريض في مصر، وتوصيف الأزمة بشكل يمكن من حلها.
المدخل السادس: عوامل استقرار التمريض العسكري.
تسعى الدراسة أيضا إلى إلقاء الضوء على عوامل استقرار التمريض العسكري، وذلك من خلال القياس وفق مؤشرات موضوعية مرتبطة بالأجر الوظيفي والامتيازات المهنية، وكثافة المستشفيات وبيئة العمل، كذلك دحض المقولة التي يسعى العسكر من خلال الأذرع الإعلامية إلى ترسيخها في وجدان الشعب والتي تقول: ” أن كل ما هو عسكري في مصر منضبط وناجح، وأن كل ما هو مدني فاشل وعشوائي، وأن قيادة العسكريين للمؤسسات المدنية هي الحل”.
ومن الامور التي تحظى بالمقارنة المشاكل المحيطة بالممرضات المدنيات وعشوائية بيئة العمل وأحيانا سلوك الممرضة نفسه في التعامل مع المواطنين والانضباط المهني والكفاءة، وذلك بالإشادة بالممرضة العسكرية والتزامها المهني واستقرارها الوظيفي.
ونحن وقبل الحديث عن أسباب وعوامل استقرار الممرضة العسكرية، وبمراجعة تصريحات نقيبة التمريض التي أكدت سابقا أن ثورة 30 يونيو قضت على التمييز العنصري الذي تعرضت له الممرضات في عهد الإخوان، نود الإشارة إلى أن التمييز الحقيقي الذي تتعرض له الممرضة في مصر هو عدم مساواتها بالممرضة العسكرية، فالفرق بين الممرضة المدنية والممرضة العسكرية كالفرق بين من تمرض السادة ومن تمرض العبيد، وفيما يلي أهم أسبب استقرار الممرضة العسكرية في عملها:
الامتيازات المهنية.
قال مدير إدارة الخدمات الطبية بالقوات المسلحة- اللواء طبيب مصطفى أبو حطب-:” إن المميزات التي يحصل عليها طلبة المدارس الثانوية العسكرية للتمريض هي صرف مكافأة شهرية أثناء التدريب ويتقاضى المتطوع بعد التخرج مرتبا شهريا ويتدرج المرتب الشهري والتعويضات بزيادة سنوات الخدمة والترقي للدرجات المختلفة.
ولفت إلى أن المتطوع في المدارس الثانوية العسكرية للتمريض يتمتع وعائلته من الدرجة الأولى بالاشتراك في (النوادي وفنادق القوات المسلحة والحج والعمرة) ويسمح له ولعائلته (الزوجة والأولاد) بالعلاج المجاني بالمستشفيات العسكرية.
الامتيازات التعليمية.
من ضمن المميزات التي يحصل عليها دفعات المتطوعين في المدارس الثانوية العسكرية للتمريض هو تأهيلهم لبعثات داخل وخارج الجمهورية للتخصص في أفرع التمريض المختلفة، وأن مناهج الدراسة بمدارس التمريض للقوات المسلحة تكون طبقا لمناهج الدراسة بمدارس للتمريض المناظرة لها بوزارة الصحة.
بيئة العمل.
لا تتعرض الممرضة العسكرية لما تتعرض له الممرضة المدنية من ضغوط عمل وذلك لعدة أسباب وهي:
حجم المترددين على المستشفيات العسكرية لا يقارن بالمستشفيات المدنية، وذلك بأن المستشفيات العسكرية تؤدي الخدمة للعسكريين فقط وأسرهم، وتؤدي الخدمة للمدنيين في السنوات القليلة الماضية ولكن بتكلفة مرتفعة، مما جعل إقبال المدنيين عليها قليلا.
تعمل المستشفيات العسكرية في مصر من خلال 45 مستشفى وعيادة على مستوى الجمهورية موزعة كالتالي (19القاهرة – 8 الإسكندرية – 2 الغربية – 3 مرسي مطروح- 2 الاسماعيلية- 1 بكل من بور سعيد والمنصورة وبني سويف والمنيا وسوهاج وقنا وأسوان وشمال سيناء والبحر الأحمر وكفر الشيخ والشرقية).
وهو عدد قليل بالنسبة لحجم المستشفيات الحكومية التي تزيد على 500 تابعة لوزارة الصحة و110 مستشفى تابعة للجامعات المصرية، وتعاني من عجز شديد في التمريض بما يزيد من حجم الضغط على الممرضات المدنيات أثناء العمل.
توفر الإمكانات والأجهزة الطبية والمستلزمات، وجودة المنشآت، والتجهيزات الطبية.
توفير السكن الملائم والحماية لأعضاء فريق التمريض من أي تعديات كما يحدث في المستشفيات الحكومية التي لا تتمتع بالتأمين الجيد.
ارتفاع الرواتب.
لم يتسنى للباحث الوقوف بشكل محدد على ما تتقاضاه الممرضة العسكرية حديثة التخرج أو التي تعمل منذ عشر سنين مثلا من راتب ليتم مقارنته بما تتقاضاه الممرضة المدنية، ولكن تشير المؤشرات الحالية إلى ارتفاع مبالغ فيه في رواتب العسكريين بشكل عام في السنوات الست الماضية بعد انقلاب الثالث من يوليو عام 2014، والاتجاه إلى إرضاء الجيش بزيادة المخصصات المالية والامتيازات الأخرى للعسكريين.
ويعتقد الباحث أن راتب الممرضة العسكرية لا يقل عن أربع أضعاف مرتب الممرضة المدنية.
الحصول على مكافأة نهاية حدمة.
أكد اللواء أركان حرب محي الدين كمال عبد العليم- مدير إدارة التجنيد والتعبئة بالقوات المسلحة- أن المتطوع يستفيد بقانون التأمين والمعاشات بالقوات المسلحة، والذي يضمن له ولأسرته الطمأنينة والاستقرار، وتصرف مكافأة عند نهاية الخدمة للإحالة والتقاعد لبلوغ السن القانوني أو طبقا لأحكام المادة 109من القانون 123 لسنة 1981، أو لعدم اللياقة الطبية أو الاستشهاد أو الوفاة طبقا لتعليمات القوات المسلحة.
عدم السماح بالعمل بالقطاع الخاص.
عمليا لن تحصل الممرضة العسكرية في القطاع الخاص على ما تحصل عليه من امتيازات مادية واجتماعية وتأمين صدي داخل العمل بالقوات المسلحة، ومن الناحية القانونية يحظر على العسكريين ممارسة أي عمل آخر طوال عملهم بالمؤسسة العسكرية، وبالتالي فإن مجال العمل بالقطاع الخاص أو السفر غير متاح كخيار بالنسبة للممرضة العسكرية.
هذا الإجراء غير متوفر للممرضة في القطاع المدني والتي تحصل عند خروجها على المعاش على مكافأة رمزية لا تتعدى 20 ألف جنيها على أقصى تقدير، فمكافأة نهاية الخدمة بالنسبة للطبيب الذي وصل إلى درجة استشاري عام 2018 كانت 32 ألف جنيه فقط ومعاش لا يتجاوز 1500 شهريا.
في حين أن مكافأة نهاية الخدمة للمتطوعين من فئة الممرضات العسكريات تزيد عن 200 ألف جنيه والمعاش يتجاوز ال 6 آلاف جنيه.
تقييم
من العرض الساق يتبين أن كل سلبيات منظومة الصحة المدنية في مصر غير موجودة في المنظومة العسكرية، وأن الممرضات العسكريات يتمتعن بامتيازات وظيفية لا تتوفر للممرضات المدنيات أو حتى الأطباء، كما أن حجم الشغل وضغوطات العمل قليلة، وحجم المستشفيات أقل بكثير من المستشفيات المدنية وأعداد المترددين أيضا، كما ان المستشفيات مجهزة بأحدث التجهيزات والأجهزة الطبية والمستلزمات، وهو ما يوفر بيئة سليمة ومثالية للعمل.
كل تلك الأمور تجعل المقارنة في غير موضوعها لاختلاف ظروف وفرص وإمكانات العمل، تضع نقابة التمريض أمام مسؤوليتها الحقيقية وهي المطالبة بالمساواة بالممرضة العسكرية وعدم التمييز الوظيفي على اعتبار أن الممرضة المدنية مثل العسكرية تتقاضى راتبها من أموال الشعب وميزانية الدولة.
خاتمة: نتائج وتوصيات الدراسة
تناولت الدراسة بالبحث والتحليل ظاهرة تسرب التمريض من المستشفيات الحكومية وبعد استعراض الأسباب المختلفة للظاهرة والتعرض للبيئة المجتمعية الحاضنة لنشأة مهنة التمريض ودراسة الأدوار المختلفة للنقابة ووزارة الصحة في تفاقم الظاهرة، والإشارة إلى أهم مظاهر التسرب، والإشارة إلى أسباب استقرار التمريض العسكري في إطار يدحض فكرة المقارنة مع التمريض المدني نظرا لاختلاف ظروف وبيئة العمل والتعليم والتدريب والحوافز المالية والأمان الوظيفي والامتيازات الاجتماعية التي تتمتع بها الممرضة العسكرية،
وقد خلصت الدراسة إلى عدة نتائج وهي:
إعادة توصيف الأزمة: من خلال الأرقام التي استعرضناها بالدراسة والتي تناقضت في كثير من الأحيان، وبالرجوع إلى ما أعلنته النقابة العامة للتمريض ووزارة الصحة من أن العجز في التمريض 20 ألف فقط منهم 11 ألفا بالمستشفيات الجامعية و9 بمستشفيات وزارة الصحة، وأن عدد الخريجين في حدود 10 آلاف سنويا، فنحن هنا لسنا أما أزمة مطلقا بل أمام وضع مثالي سينتهي خلال عامين.
إذن فمن أين جاءت الأزمة، وهي موجودة بالفعل؟
سنأخذ تقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء كمعيار لمعرفة الأوزان الحقيقية، وتطبيقه على مؤشر المعدلات العالمية لتوزيع الممرضات على أن تباشر الممرضة رعاية خمس مرضى في الأقسام العادية ومريض واحد فقط في العناية المركزة، وأنه في مصر تقوم الممرضة الواحدة برعاية 8 مرضى في الأقسام العادية و3 في الرعاية المركزة.
ووفق تقرير المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الذي أشرنا إليه في الدراسة فإن إجمالي المسجلين بالنقابة العامة للتمريض 243ألف ممرضة وممرض، منهم 207 ألفا على رأس العمل بمصر (187 بالمستشفيات الحكومية و20 ألفا بالقطاع الخاص)، والباقي وعددهم 36 ألفا موزعين كالتالي (معاشات – إجازات بدون راتب- سفر للخارج).
إذن حجم التسرب، بعد حذف المعاشات من 40 إلى 45 ألف تقريبا أي ما يقارب 20% من حجم قوة العمل الفعلية.
وبالنظر إلى واقع المستشفيات فإن العجز الفعلي يكون في حدود 60% في حال وجود ممرضة لكل 8 مرضى – وهي نسبة ترتفع عن ذلك أحيانا، وبذلك تكون المستشفيات بحاجة إلى 300 ألف مريض تقريبا وليس 187 ألف فقط، وهذا أمر منطقي ومواكب للحالة التي عليها المستشفيات وخصوصا الجامعية من عجز في التمريض تتوقف معه بعض الأقسام المهمة كالعناية المركزة والحضانات.
وبناء على ذلك من الممكن أن نبني على تلك المعلومات استراتيجية جادة للقضاء على عجز التمريض في عشر سنين وذلك من خلال الآتي:
دعم الوعي بأهمية مهنة التمريض وتحسين الصورة الذهنية: وبالأخص تحسين الصورة الذهنية لدى الرأي العام وعموم المواطنين، فهذا هو المدخل الأساسي من أجل نشر الوعي المجتمعي بهذه المهنة وأهميتها في المجتمع.
زيادة الأعداد المقبولة بكليات ومعاهد التمريض: يعتقد الباحث أن الإدارة الحالية للبلاد غير جادة في زيادة أعداد هيئة التمريض نظرا لما سيتطلبه ذلك من رواتب تتكلف مليارات الجنيهات، وبالتالي فإن الحديث عن أن هناك عزوفا مجتمعيا عن التقدم لمهنة التمريض والحديث عن الدور السلبي للدراما كلاما في غير موضعه فالنظرة المجتمعية السلبية تبددت تحت ضغط الظروف الاقتصادية الصعبة، وتحسنت بشكل كبير بعد ظهور كليات التمريض والتي بلغت 20 كلية على مستوى الجمهورية.
وبالتالي في حال استمرار تخرج 10 آلاف سنويا دون حساب للزيادة السكانية التي من المتوقع أن تبلغ 25 مليونا خلال العشر سنوات القادمة، مع مراعاة أن هناك أعدادا ستخرج على المعاش أو يتوفاها الله أو تتسرب إلى القطاع الخاص أو تسافر للعمل بالدول العربية، فإن الأزمة ستستمر كما هي وربما تزداد، والباحث يرى أن مضاعفة أعداد الخريجين ل 20 ألف سنويا ستساهم بشكل كبير في إحداث التوازن المطلوب خلال العشر سنوات القادمة.
إعادة التوزيع: يتطلب الوضع الحالي تفعيل قانون وزير الصحة رقم 163 لسنة 2009 والذي أصدره حاتم الجبلي وزير الصحة السابق، والذي كان يحظى بتفعيل كبير حتى انعقاد مجلس النواب الحالي 2015، وقد أدى عدم تفعيل القرار إلى زيادة تفريغ المستشفيات من الممرضات وزيادة التكدس في بعض الوحدات الصحية حتى وصل إلى 7 أضعاف العدد المطلوب كما أكد محافظ أسيوط. كذلك إعادة النظر في التوزيع بين المستشفيات نفسها، فهناك مستشفيات تعاني عجزا شديدا ومستشفيات بها أعدادا زائدة.
دعم المستشفيات الجامعية: على وزارة الصحة أن تتخذ عدة إجراءات من شأنها تدعيم استمرار الممرضات بالمستشفيات الجامعية ووضع الضوابط التي تمكن من عدم إعادة تكليفهم على مستشفيات وزارة الصحة وعدم الانصياع لضغوطات نواب البرلمان.
تحديد الأولويات: من الأمور المهمة التي يجب أن تستقر بوجدان صانع السياسات الصحية في مصر هو الاستغلال الأمثل للموارد البشرية المتاحة، من خلال تحديد الاحتياجات الفعلية وترتيب هذه الاحتياجات وفق أهميتها ومن ثم توزيع الموارد البشرية عليها وفق تنوع المهارات والتخصصات المطلوبة.
وبالتالي فإن استيفاء المستشفيات من الحد الأدنى من الاحتياجات التمريضية يكون أساس التوزيع، واستيفاء أقسام (الاستقبال والطوارئ والعناية المركزة والعمليات والحضانات وحضانات الأطفال المتبسرين ووحدات الغسيل الكلوي) له الأولوية عند توزيع الموارد البشرية.
ربط نظام الحوافز بالجهد المبذول: من الامور المهمة التي ساهمت في زيادة أزمة التمريض عدم تمييز الممرضات بالمستشفيات وأقسام الطوارئ والعمليات بحوافز وامتيازات مالية تشجع على زيادة الطلب على تلك الأماكن وتحدث نوعا من التنافس للحصول على فرصة عمل بتلك الأقسام، وبالتالي فإن تغيير نظام الحوافز المالية الذي يساوي بين الجميع في مختلف الأماكن قد ساهم في تدعيم الفجوة نظرا لعدم وجود دوافع للعمل.
التعليم الطبي المستمر: من المهم الارتقاء بالمكون التعليمي لأعضاء هيئة التمريض ومساعدتهم في الحصول على دورات تدريبية ودراسات عليا، وتدعيم قيم ومهارات التخصص لديهم وربط الدراسات العليا والتدريب بمهارات وتخصص العمل بما ينمي من مهارات وآليات بناء مسار وظيفي تراكمي قائم على اساس التميز والتطور الوظيفي.
أخيرا، يجب التذكير أن تضافر الجهود المختلفة والقطاعات المتنوعة من اجل مواجهه مشاكل القطاع الصحي بأكمله وليس فقط مشاكل التمريض هو مطلب أساسي من أجل إصلاح القطاع الصحي في مصر ومن ضمنه بناء القدرات في مجال التمريض. وهذا هو الشرط الأساسي من أجل استكمال رفع كفاءة الحالة العلاجية في مصر.
أمجد حمدي
2019-04-05
المصدر: المعهد المصري للدراسات