دار "الأتاسي" في اسطنبول.. محاولة لتأسيس مظلة تجمع نخبة السوريين في تركيا
افتتح في منطقة "باتي شهير" الحيوية وسط اسطنبول منذ أيام المقر الرئيسي لجمعية "الأتاسي الاجتماعية" لتكون بمثابة بيت مفتوح لكل أبناء العائلة، ومظلة جامعة للنخب السورية في اسطنبول وتركيا عامة.
واعتبر الباحث التاريخي وعضو مجلس إدارة الجمعية "فارس الأتاسي" الافتتاح بأنه خطوة متميزة واستثنائية فكرًا وتنفيذًا على مستوى التجمعات السورية في تركيا، بل وحتى على مستوى العالم.
وأضاف لـ"زمان الوصل" أن جذور الفكرة تعود إلى عام 2014 حيث طرح الدكتور الراحل "عبد العزيز الأتاسي" نقيب أطباء حمص في الثمانينات فكرة تشكيل كيان أو تجمع عائلي للم شتات الأسرة في مختلف بلدان العالم، وقد كان ذلك -كما يقول محدثنا- ضمن جلسة على سكايب جمعت الدكتور المرحوم "عبد العزيز" بالسيدة "مها نضال الأتاسي" والسيد "نور نديم الأتاسي"، وجرى الاتفاق على العمل لتأسيس هذا الكيان، كبدايةً مأمولة لتحقيق أحلام كبيرة، بتمثيلها لجزء لا يتجزأ من تاريخ حمص وسوريا.
وفي 14 آب أغسطس/2020 تم إنشاء جمعية "الأتاسي الاجتماعية" في تركيا لتقوية أواصر التعاون والتكافل بين أبناء العائلة، وللعمل على توثيق تاريخ العائلة وللارتقاء بالمستوى التعليمي والثقافي، وتعريف الجيل الثالث من الأحفاد وخاصة من ولد منهم في دول المغترب بتاريخ عائلتهم.
ولفت "الأتاسي" إلى أن الجمعية هي جمعية مدنية غير ربحية وغير سياسية أو غير دينية، وهي تجمع مدني مستقل ذو أهداف اجتماعية وفكرية وثقافية تعنى بشؤون عائلة "الأتاسي" وإحياء تاريخها وتطور حاضرها وبناء مستقبلها من خلال تشكيلها لحاضنة تجمع أبناء العائلة في عموم تركيا وأينما وجدوا.
وتقع الدار في مجمع قريب من مطار "أتاتورك" في اسطنبول، والذي يتميز بسهولة الوصول إليه، وقوعه بين فندقين، واحتوائه على مركز تسوق، وهي تتكون من طابقين: الطابق الأول صالة واسعة متعددة الاستخدامات (معرض اجتماع، مؤتمر، عزاء، فرح،الخ) وما تحويه من منطقة تخزين ومطبخ. والطابق الثاني يضم قسماً مكتبياً وقسماً خصص كنُزل وغرفة اجتماعات.
وازدانت جدران البهو الرئيسي للدار بصور تمثل خطاً زمنياً، وتضم أهم الشخصيات في تاريخ العائلة، منذ العهد المملوكي وحتى آخر شخصية مؤثرة توفّاها الله، علمًا أن تاريخ عائلة الأتاسي لا يختزل في 60 شخصية كما يقول الأتاسي- منوهاً إلى أن الدار هي واحدة من عدة نشاطات ثقافية وتعليمية قامت وتقوم بها الجمعية.
ومثالاً على النشاطات التي قامت بها، ومنها إحياء "خميس الحلاوة" لأول مرة في تاريخ اسطنبول وتركيا، ومن الأنشطة الثقافية، كتاب عن تاريخ آل الأتاسي في العهد العثماني تأليف "فارس الأتاسي"، وهو أول كتاب تاريخي وتوثيقي من الأرشيف العثماني على مستوى سوريا، وسبق للجمعية –بحسب الأتاسي –أن احتفت بخميس الحلاوة الذي تختص به مدينة حمص في 22 نيسان ابريل الماضي وتبعه بعد أسبوع خميس المشايخ، وهو -أي خميس الحلاوة- من خمسانات موسم الربيع التي تختصّ بها مدينة حمص في سوريا عن غيرها من المدن، وتعدّ لها حلوى خاصة تُعرض في أسواق المدينة بألوانها الزاهية التي تمثّل ألوان الربيع، وأهمها: الحلاوة الخبزية، الحلاوة السمسمية، البشمينة، بلاط جهنم.
وحافظت حمص على هذه التقاليد لمئات السنين، وما زالت مستمرة فيها إلى يومنا هذا.
واستدرك الباحث في الأرشيف العثماني أن "الواجب حتم علينا كحماصنة في الغربة وخاصةً في تركيا، البلاد القريبة الاحتفال بهذا العيد حتى وإن كنا بعيدين عن حمص أولًا من أجل المئات من أهل حمص في اسطنبول وتركيا، وثانيًا لتعريف الشعب التركي والشعب العربي والسوري بهذه الفعالية الثقافية المميزة التي تختصّ بها مدينتنا، خصوصًا في اسطنبول، عاصمة الإمبراطوريتين الرومانية/ البيزنطية والعثمانية، وملتقى الثقافات الشرقية والغربية على مرّ التاريخ".
وروى "الأتاسي" أن الجمعية قامت رغم قيود حظر التجوال الشامل بسبب أزمة "كورونا" بتوزيع عشرات علب الحلاوة الخشبية التي حُفر عليها شعار العائلة والجمعية على الأهالي من الأتراك والعرب والسوريين، مع بطاقات تعريفية عن هذا العيد باللغتين التركية والعربية، كي يتعرّف المواطن التركي والمقيم العربي من سوريا وخارجها على طبيعة خميس الحلاوة وأجوائه بحمص، لتكون تلك الخطوة فاتحة لتبادل ثقافي أوسع على أن تُعاد في السنة القادمة بكل تأكيد وبشكل أوسع بكثير وضمن ظروف صحية واجتماعية أفضل.
وتمنى "الأتاسي" رؤية مبادرات مشابهة في جميع دول المهجر، ليتعرّف العالم كلّه على الإرث التاريخي والثقافي لمدينة حمص.
ولفت محدثنا إلى أن دار "آل الأتاسي" في اسطنبول هي امتداد لقناق (منزول) "آل الأتاسي" في حمص، وهي ليست التجمع الأول للعائلة، فإضافة إلى منزول حمص تم إنشاء الجمعية الخيرية الأتاسية "Atasi Foundation" في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2002.
ونفى "الأتاسي" أن يكون مشروع الدار دعوة للانكفاء على الذاتية والعائلية مشيراً إلى أن الغاية منه تعاكس تمامًا فكرة الانكفاء، بل يهدف إلى الانفتاح على الجميع وتشكيل مظلة جامعة لجميع النخب السورية بكافة أطيافها، وذلك لتنوع توجهات الشخصيات التاريخية والمعاصرة في العائلة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، وبالتالي فالباب مفتوح للجميع.
ولفت إلى أن من أهداف الجمعية والدار العمل على رفع مستوى الانتماء لدى أبناء العائلة وزيادة اهتمامهم بماضيهم وبالتالي تعزيز انتمائهم إلى المجتمع والثقافة السورية، كون تاريخ عائلتهم جزءا لا يتجزأ من تاريخ سوريا. مع التنويه على أن هذا المشروع هو مشروع رائد على مستوى كل التجمعات السورية، وليس فقط على مستوى العائلات.