فرنسيون ومهاجرون ينشؤون "المجتمع الزراعي الأول" في فرنسا
شريف بيبي
مشروع رائد مشترك بين مواطنين فرنسيين ومهاجرين لمساعدتهم على اكتساب مهارات جديدة والاستفادة من طاقاتهم
مجتمع زراعي متكامل هو الأول من نوعه في فرنسا، هذا هو مشروع سيدريك هيرو الجديد في وادي روايا في منطقة الألب ماريتيم الفرنسية الحدودية مع إيطاليا. المشروع هو مبادرة للمساعدة المهاجرين على اكتساب مهارات جديدة، وإقناع المجتمعات المضيفة بجدوى استقبالهم والاستفادة من طاقاتهم.
"إيمايوس روايا". المشروع الأول من نوعه في فرنسا
طريق جبلي ضيق يحتضن نهر رويا من جهة وسفح الجبل من جهة أخرى. لا شيء على طول الطريق يوحي بأي مبادرة خاصة بالمهاجرين. أراض زراعية تطالعك بين الفينة والأخرى لتذكرك بوجود أشخاص يعيشون في تلك المنطقة الجبلية الساحرة.
بعد طول بحث، تمكنا من الوصول إلى مدخل الأرض الزراعية الخاصة بسيدريك هيرو. ولمن لا يعرف الإسم، هيرو احتل الصفحات الأولى للجرائد الفرنسية عام 2016 لنشاطه في مساعدة المهاجرين، حينها اتهمته السلطات بالشروع في أنشطة تهريب البشر عبر الحدود، تهمة ثبت عدم صحتها بعد وقت قصير.
طريق صخري استحدثت فيه بعض المواضع لتتمكن من وضع رجلك والصعود إلى الأرض. بعد بضع خطوات، يتكشف لك منظر مذهل، نهر روايا في الأسفل والجبال الخلابة تحيط به من كل ناحية، تلك هي الحدود الطبيعية بين فرنسا وإيطاليا، وعبر تلك الجبال اتخذ المهاجرون الهاربون من إيطاليا طرقا للوصول إلى فرنسا.
في تلك المنطقة، يملك هيرو أرضا زراعية تبلغ مساحتها ثلاث دونمات، فيها أشجار الزيتون واللوز والمشمش، إضافة إلى البطاطا والجزر والفراولة والطماطم، "كافة هذه المزروعات طبيعية"، يقول هيرو، "لا أستخدم السماد أبدا، أتبنى نظرية الزراعة العضوية. ففي النهاية، علينا احترام المزروعات والطبيعة المحيطة بها لنتمكن من الاستمتاع بمحاصيل مميزة".
هيرو مزارع أبا عن جد، ورث المصلحة من والده الذي يساعده أيضا، في الزراعة وفي مساعدة المهاجرين أيضا.
قبل فترة، تمكن سيدريك من التواصل مع مؤسسة إيمايوس الإنسانية، التي قامت بتبني فكرته بشكل كامل، وهي إنشاء مجتمع زراعي مكتف ذاتيا ومعتمد تماما على العاملين فيه. الفكرة هي الأولى من نوعها في فرنسا.
وأطلق هيرو مبادرته هذه في الرابع من تموز/يوليو الحالي. وقام المزارع الذي يبلغ من العمر 40 عاما ببناء أربعة أكواخ خشبية على أرضه ليبيت فيها مهاجرون يعملون معه في الأرض، إضافة إلى ثلاث مقطورات تستخدم للمبيت أيضا. هناك أيضا منزل خشبي بني على مساحة 50 مترا تقريبا، يستخدم كمطبخ وقاعة للاجتماعات ومكان للتخزين. "ببساطة، هذا هو مشروع إيمايوس روايا، أول مجتمع زراعي متكامل في المنطقة"، يقول هيرو.
ليسوا مجرمين وليسوا عالة على المجتمع
ومنذ 2016، اختلفت طريقة التعاطي مع أزمة الهجرة في المنطقة بشكل جذري، فحينها كان المهاجرون يأتون بشكل دائم وبكميات كبيرة، أما اليوم ومع تضييق الشرطة الخناق على حركتهم، انخفضت أعدادهم بشكل كبير.
يسعى سيدريك من خلال مؤسسته "الدفاع عن المواطنة"، إلى إيصال رسالة جديدة للرأي العام حول المهاجرين، مفادها "هؤلاء ليسوا بسارقين أو مغتصبين أو إرهابيين، هؤلاء مزارعين".
معظم المهاجرين المتواجدين في المزرعة حاليا هم أفارقة. "الرفاق هنا ليسوا عمالا، نحن نعطيهم مبلغ 350 يورو شهريا إضافة إلى الطعام واللباس. نحاول أن نخلق بعض الأنشطة لهؤلاء الأشخاص ليتمكنوا من خلالها من اكتساب بعض المهارات المفيدة. الدولة لم تقدم أي نوع من الحلول، ما نحاول القيام به هنا هو تقديم مقترحات قد تصلح لمعالجة القضية".
ويضيف المزارع الشغوف بشؤون التضامن "نريد أن نثبت أن هؤلاء الأشخاص ليسوا عالة على المجتمع، هم متحمسون وقادرون على إحداث فرق".
خلال التجول في المزرعة، تبدو ظاهرة علامات التحديث والتوسيع في المنشآت والغرف، فضلا عن المناطق الجديدة المستصلحة للزراعة. على أعلى الجل، يبني سيدريك و"رفاقه" غرفة خشبية قادرة على استيعاب نحو 500 دجاجة، "هذا هو قن الدجاج الجديد، بهذه الطريقة سنتمكن من استيعاب المزيد من الدجاج وبالتالي نرفع من إنتاج البيض لدينا".
جميعنا مسؤولون
ماريون وشارلوت، متطوعتان فرنسيتان ضمن مشروع سيدريك. كل منهما تهتم بشؤون معينة ضمن المشروع، فماريون تتابع الأمور الإدارية وتلاحق تسليم المزروعات والبيض للتجار، أما شارلوت فتحاول تنظيم جداول العمل في المزرعة. "جميعنا هنا شركاء، رفاق، جميعنا مسؤولون عن المشروع"، تقول ماريون. "نحن لسنا جمعية إنسانية، ما نقوم به هنا هو تجربة فريدة لكل فرد فيها دوره ونصيبه من نجاحها. ما لاحظته خلال فترة عملي هنا هو أن مستوى تأقلم المهاجرين وتحسن ثقتهم بأنفسهم أتاح لهم المجال ليبرزوا جوانب أخرى من شخصياتهم ربما اضطروا للتخلي عنها خلال رحلة هجرتهم".
خلال اهتمامها بشتل الحبق بالتعاون مع مهاجر من السنغال، قالت شارلوت لمهاجر نيوز "هذا المشروع علمني الكثير. كنت أريد القيام بجولة في أوروبا، أن أذهب لليونان لأتطوع مع إحدى الجمعيات لمساعدة المهاجرين هناك. أنا سعيدة لأنني انضممت لمشروع سيدريك، فهنا أنا أساعد وأتعلم بنفس الوقت".
يبتسم المهاجر السنغالي وهو يجلس القرفصاء بجانب شارلوت "أنا تعلمت الكثير أيضا"، يقول لمهاجر نيوز، "قضيت نحو خمس سنوات وأنا أتنقل بين الدول قبل أن أصل هنا. فمن السنغال إلى ليبيا إلى إيطاليا إلى السويد إلى فرنسا، الرحلة لم تكن سهلة أبدا. ولكني هنا سعيد، طبعا أسعى لأن أحسن حياتي أكثر ولكني هنا أتعلم أشياء كثيرة... في السنغال كنت مزارعا، ولكني لم أزرع بحياتي أنواع الخضروات التي أتعلم زراعتها هنا".
هذا المشروع الصغير هو مجتمعي الآن
يافارو، نيجيري يبلغ من العمر 37 عاما، وصل إلى بريل سور روايا أواخر نيسان/أبريل الماضي. من نيجيريا إلى النيجر فليبيا حتى وصل إيطاليا حيث قضى "عامين وسبعة أشهر في فوجيا".
تبدو على يافارو علامات التعب المزمن، فهو لم يعرف الراحة إلا عندما "هنا". وحول رحلته، يقول بإنجليزية صعبة بعض الشيء "كان الأمر صعباً للغاية، خاصة في ليبيا. فهناك يقتلون الناس كل يوم، كنت أودع أصدقاء ومعارف كل يوم...". استفاض المهاجر النيجيري بالحديث عن تجربته الأليمة في ليبيا، ويشعر بسعادة عارمة أنه تمكن من الهرب من هناك. "رحلتنا في البحر لم تكن سهلة. تعطل محرك القارب... رصدتنا طائرة مروحية راحت تحوم فوقنا، كان بجانبنا سفينتان مدنيتان لم تقدما لنا المساعدة بحجة انتظار التعليمات من إيطاليا... الفوضى كانت سيدة الموقف...".
بعد طول عناء وصل يافارو والمهاجرين الذين كانوا معه إلى لامبيدوزا. وها هو اليوم، يزرع الأرض على الجانب الآخر من الحدود.
"لماذا أردت المجيء إلى فرنسا؟ أنا هنا أشعر بتحسن كبير مقارنة بإيطاليا. فهناك لم أستطع العمل. أما لماذا اخترت المجيء هنا، فلأنني لا أحب المدينة، أحب أن أعمل في الأرض، أحب أن أزرع الأرض".
يافارو اليوم أصبح طالب لجوء، لم يعد يخشى حواجز الشرطة. "سيدريك ساعدني كثيرا، إنه رجل صالح. وهذا المشروع الصغير هو مجتمعي الآن. أشعر أنني ضمن عائلتي".
للجميع دوره في إدارة المشروع
الحرارة مرتفعة جدا، إنها إحدى موجات الحر النادرة التي تضرب فرنسا. هافلوم، مهاجر إريتري يبلغ من العمر 25 عاما، ينظف إحدى زوايا المطبخ، "الجميع يشعر بالحر إلا أنا"، يقول لمهاجر نيوز ويبتسم بمكر.
هافلوم لاجئ في فرنسا، وصل قبل عامين تقريبا. "هربت من إريتريا لأن الأمر معقد هناك. لدينا دائما ديكتاتور حاكم".
ينفي هافلوم معرفته بالزراعة من قبل، "كنت نادلا، تعلمت الزراعة هنا. أحب الاعتناء بالخضروات وحصاد الزيتون...". يشعر هافلوم ببعض الحرية، خاصة بعد أن نال وضعية اللجوء، بالنسبة له هذا المشروع هو "الأسرة... نحن نشارك كل شيء".
إنها الظهيرة، الحرارة تجاوزت الـ35 درجة مئوية، الجميع أوقف العمل، إنه وقت الراحة، ولكن ليس بالنسبة لحسين. حسين، مهاجر إيراني يبلغ من العمر 30 عاما تقريبا، دائم البسمة ويعمل بسرعة وجد في المطبخ، "لدي أفواه جائعة لأطعمها"، يقول لمهاجر نيوز وهو يقلب العجة المقلية على النار.
قضى حسين تسعة أشهر في فرنسا، ثلاثة منهم هنا. "ساعدني سيدريك وأصدقاؤه. إنهم طيبون للغاية. لديهم الكثير من الطاقة الجيدة". رحلة حسين لم تكن سهلة بتاتا، فمنذ خروجه من إيران، عبر حسين ثمانية دول مختلفة قبل أن يصل إلى فرنسا. "في كل مرة كنت أقابل برفض طلب اللجوء، كل ما كان يجول بخاطري هو كيف سأتمكن من حمل كتبي معي والانطلاق من جديد. الحياة على طريق الهجرة أمر بشع جدا لا أريد تكراره".
وحول نشاطه المطبخي يقول "أنا لست طاهيا، أطبخ عند الضرورة، ولكن هنا اتضح أن مهاراتي هي الأفضل بين الجميع".
يسعى حسين اليوم لإتمام كتاب، رواية، عن اللاجئين والفقراء، ويأمل أن يتمكن من إيجاد مترجم يتمكن من نقله إلى الفرنسية عند الانتهاء من كتابته.
الهدف هو أن يتمكنوا من الاستمرار بحياتهم من دوننا
لدى سيدريك رؤية متكاملة لمجتمعه الزراعي الصغير، تبدأ من المساواة في كافة تفاصيل الحياة اليومية بين الجميع، ولا تنتهي بتمكين المهاجرين ليصبحوا قادرين على الاعتماد على أنفسهم بشكل نهائي.
"لا يمكن اعتبار ما يقومون به عملا رسميا، إنه مجرد وسيلة لتمضية الوقت وتخطي حاجز العزلة والوحدة"، يقول المزارع الشاب. "هذا المشروع يسمح لهم بالعيش دون خطر التشرد... كما أنه فرصة لهم ليعيدوا بناء حياتهم من جديد، يتعلموا اللغة الفرنسية ويتعرفوا على شروط السوق الفرنسي".
ويتابع "من شروط المشاركة في هذا المجتمع الصغير هو المساواة في كل شيء، الطعام والعمل والمسؤوليات... نريد أن نثبت لوادي روايا وفرنسا وكل أوروبا أنه بواسطة إمكانات بسيطة نستطيع القيام بأمور كثيرة... أريد للناس هنا أن يسعوا لتحقيق أحلامهم، أن يبنوا عائلاتهم ويقعوا في الحب ويحصلوا على عمل، لا أن يظلوا عالة على المجتمع، هم لا يريدون ذلك أساسا. هم يريدون أن يتحولوا إلى فاعلين في المجتمعات المضيفة".
وحول الهدف النهائي للمشروع يقول سيدريك "في النهاية هدفنا ليس إبقاؤهم هنا. الهدف الأساس هو أن يتمكنوا من الاستمرار بحياتهم من دوننا. نريد أن نظهر أن هؤلاء الأشخاص قادرون على أن يصبحوا ممثلين لقرية أو مدينة، وأن لديهم الكثير من الإمكانيات ليشاركونا إياها، شرط أن يحظوا باستقبال لائق".
2019-07-31
المصدر: مهاجر نيوز - InfoMigrants Arabic