"تدمر". فيلم يوثق تعذيب معتقلين سياسيين لبنانيين في سورية
لطالما اشتهر سجن تدمر في سورية بسمعة شديدة السوء وقساوة ظروف الاعتقال فيه، حيث تم تغييب الكثير من المعتقلين فيه ليختفي أثرهم نهائياً، في حين نجا آخرون واستطاعوا الخروج من أسواره حاملين في جعبتهم سنوات من التعذيب والانتهاكات.
ومع انطلاق الثورة السورية وتزايد حالات التعذيب والاعتقال في سورية، قررت المخرجة الفرنسية مونيكا بورغمان وزوجها لقمان سليم صناعة فيلم يوثق لشهادة حوالي 24 معتقلاً سياسياً لبنانياً سابقاً، وتضمن الفيلم مشاهد تمثيلية لظروف الاعتقال.
وقد عرض فيلم "تدمر"، أمس الأربعاء، في سينما إسباس سانت ميشيل في العاصمة الفرنسية باريس، وقام السياسي سلام كواكبي بإدارة جلسة حوارية بعده، بمشاركة المخرجين، لمناقشة تفاصيل الفيلم وقضية الاعتقال والتعذيب في سورية.
يقول أحد المعتقلين في الفيلم إنه كان على السجناء في المهجع تقسيم أنفسهم إلى رئيس المهجع ونائبه ومجموعة السخرة، التي تتألف من 15 شخصاً وما دون، يقول "رئاسة المهجع والسخرة كانت أخطر المهمات، لأنها تتضمن التعامل المباشر مع السجانين وبالتالي التعرض للتعذيب، فكثيراً ما كان يتم النداء على رئيس المهجع الذي يخرج ليتعرض للتعذيب ويسقط أرضاً، فيضطر أفراد من مجموعة السخرة إلى حمله وإدخاله".
ومن مهام عناصر السخرة إدخال الطعام أو ما يشبه الطعام بحسب وصف المعتقل، الذي قال إن الحساء كان عبارة عن ماء مغلي مع بعض الأشياء الأخرى التي لا يعرفها، وكان عنصر السخرة الذي يخرج لجلب الطنجرة يتم تغطيس رأسه بالحساء المغلي قبل أن يدخله، وكان السجّان الذي يقوم بذلك يُعرف باسم "أبو الشوربة".
وأضاف أنهم كانوا لا يعرفون أسماء السجانين، فكانوا يطلقون عليهم ألقاباً تتعلق بطرق التعذيب التي يمارسونها، فأبو الحديدة كان لا يضرب إلا بالحديدة، وأبو الـ500 لأنه يعاقب السجناء بضربهم بـ500 كرباج حصراً.
أحد المعتقلين قال إنهم كانوا يجبرون على النوم معصوبي العينين على ظهورهم، ولا يسمح لهم برفع الغطاء أكثر من منتصف الصدر، ويمنعون من استخدام المرحاض ابتداء من السادسة مساء حتى صباح اليوم التالي.
كما كان المعتقلون مجبرين على الخروج من المهجع بظهر منحن إلى الأسفل، بحيث لا يستطيعون النظر إلى السجانين.
الطعام الرديء وغير الكافي قصة أخرى، ففي أحد المشاهد التي أعاد المعتقلون تمثيلها ظهروا وهم يستخدمون خيطاً لتقطيع بيضة مسلوقة إلى قطع صغيرة وتقاسمها مع قطعة خبز، في حين أن العشاء كان عبارة عن حبة بطاطا يتقاسمها كل أربعة أشخاص.
وفي الثامن من مارس/آذار الذي يوافق عيد البعث، كان هناك استثناء حيث كان يقدم للسجناء الأرز والدجاج، يقول معتقل آخر إنه خرج ليدخل الطعام إلى المهجع فدار حديث بين سجانين حول عدم استحقاق المعتقلين لأكل الدجاج لأنهم لا يحبون البعث والرئيس والبعض فكر باغتياله، فقام أحدهما بالتبول على طبق الطعام.
فيما تحدث سجين آخر عن خمس سنوات قضاها في عزلة الزنزانة الانفرادية، والتعذيب المتواصل الذي كان يوصله إلى حافة الموت ليجد نفسه على قيد الحياة في كل مرة، قائلاً بأن الرادع الديني لديه كان يمنعه من الإقدام على قتل نفسه، رغم أنه فقد الأمل تماماً من أن يخرج ويعيش خارج السجن، لدرجة أنه كان يستغرب أحياناً إذا كان سيستطيع التحدث مع إنسان مرة أخرى ويفهم ما يقوله، فقد كان يقضي وقته في إعطاء النمل فتات الخبز والتحدث إلى الحشرات من عناكب وصراصير.
وقال "أحيانا كنت أتحدث إلى الذباب، وأقول له بأنه محظوظ لأنه يستطيع الخروج من الزنزانة، وأتمنى أحياناً لو كنت ذبابة بدلاً من أن أكون إنساناً معتقلاً في هذا المكان".
باريس ــ ناريمان عثمان
2019-07-06
المصدر: العربي الجديد