في سياق ما يسمى بـ”صفقة القرن”: الولايات المتحدة تسعى في ورشة البحرين لحرمان الفلسطينيين من حقوقهم
نعرب نحن الموقعون أدناه عن بالغ قلقنا إزاء ورشة البحرين التي تتزعمها الولايات المتحدة تحت عنوان “السلام نحو الازدهار“، والتي تشكل تهديدًا خطيرًا لحقوق الفلسطينيين في العدالة والمساواة وتقرير المصير. إذ تعتبر ورشة البحرين جزءًا من خطة السلام الفلسطينية الإسرائيلية للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والمعروفة بـ “صفقة القرن.”
الورشة المقرر عقدها في وقت لاحق من هذا الشهر، تستهدف مناقشة جهود الاستثمار في الأرض الفلسطينية المحتلة كحل اقتصادي للقضية الفلسطينية. ورغم أن تفاصيل “خطة السلام” لم تُعلن بعد، إلا أن النمط المقلق لسياسات الإدارة الأمريكية الحالية نحو الأرض الفلسطينية المحتلة ينذر بما ستتضمنه الخطة، وينبأ بأنها ستدعم بالأساس دعم الجانب الإسرائيلي على حساب حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير ووضع حد للاحتلال المطول وحق العودة للاجئين الفلسطينيين، وتعصف بالأمل في دولة فلسطينية مستقلة، وإنهاء الاستيلاء على الأرض وبناء المستوطنات غير القانونية.
منذ عام 2017، قوضت سياسات إدارة ترامب الحقوق الفلسطينية، وانتهكت القانون الدولي. وخاصة بعدما اعترف الرئيس الأمريكي ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل وبسيادة إسرائيل على الجولان السوري، في انتهاك للقانون الدولي الذي لا يعترف بالسيادة على الأرض المحتلة بالقوة. كما قطعت إدارة ترامب التمويل الأمريكي البالغ الأهمية وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل الفلسطينيين في الشرق الأدنى )الاونروا(، وذلك بسبب عملها مع اللاجئين الفلسطينيين، وألغت برامج الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وأغلقت مكتب الوفد العام لمنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن.
يعيش الفلسطينيون بسبب الاحتلال في وضع اقتصادي غير قابل للاستمرار، فضلاً عن ضغوط اقتصادية متزايدة نتيجة السياسات الأمريكية. والآن وفي إطار ورشة البحرين، يُطلب من الفلسطينيين التخلي عن حقوقهم غير القابلة للتصرف مقابل وعود غامضة بالتعاون الاقتصادي ومستوى معيشة أفضل.
من جانبها تعارض السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وعدد من رجال الأعمال الفلسطينيين البارزين هذه الخطة، وقد أعلن بعضهم الامتناع عن المشاركة في الورشة. كما أعلنتا روسيا والصين مقاطعة الورشة. ومع ذلك، أعلنت المملكة العربية السعودية و الإمارات العربية المتحدة وقطر نية المشاركة، بل من المتوقع أن توفر دول خليجية الجزء الأكبر من التمويل الاستثماري، هذا بالإضافة إلى المغرب والأردن ومصر الذين أفادوا بإرسال ممثليهم للمشاركة في الورشة.
يواجه الشعب الفلسطيني أزمة إنسانية وسياسية متأصلة، تزيد من وطأتها الحوافز الجيوسياسية، ولا يمكن حلها ببساطة من خلال المساعدات والاستثمار، على عكس خطط مناصري الورشة.
أن هذه المساعي تكرر “دبلوماسية دفتر الشيكات” التي طرحها المجتمع الدولي خلال عملية أوسلو للسلام، وتعكس استمرار تجاهل تداعيات الاحتلال الإسرائيلي المطول والاستعمار العسكري الذي عانى منه الشعب الفلسطيني لأكثر من خمسة عقود. فإن كنا نقر أن السبب الأساسي لاستمرار الاحتلال هو غياب الإرادة السياسية لوضع حد لإفلات إسرائيل من العقاب، فقد دعمت المساعدات الدولية استمرار الوضع الراهن، على نحو جعل الاحتلال العسكري مجانيًا ودون تبعات على الحكومة الإسرائيلية. ومن ثم فلا بديل عن معالجة الأسباب الجذرية لهذه الأزمة الإنسانية من أجل التوصل إلى حل عادل يفي بالمعايير القانونية الدولية. فإذا لم يعارض المجتمع الدولي ودول المنطقة ورشة البحرين والسياسة الأمريكية التي تمثلها، ستصبح الحكومة الإسرائيلية أكثر جرأة على مواصلة ترسيخ الاحتلال من خلال التوسع الاستيطاني، وضم المزيد من الأرض الفلسطينية، واستمرار الحصار المفروض على قطاع غزة.
كانت القيادة الإسرائيلية قد بدأت بالفعل ضم أجزاء من الضفة الغربية، كما صرح مؤخرًا سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل، ديفيد فريدمان، بأن إسرائيل “لها الحق في الاحتفاظ ببعض الضفة الغربية، لكن من غير المحتمل أن تحتفظ بها بالكامل.”
هذه الأعمال تشكل انتهاكًا للقانون الدولي المتعلق بتقرير المصير وتعتبر ضم غير القانوني للأرض، كما أن هذه السياسات لن تؤدي إلا إلى تفاقم أزمة حقوق الإنسان الحالية وحرمان الفلسطينيين من أي احتمالات للتنمية – التي لا تزال بعيدة المنال- طالما انتزعت منهم أراضيهم ومواردهم الطبيعية.
أن خطة السلام الأمريكية لا تخاطر فقط بطموحات الشعب الفلسطيني في الحقوق الأساسية وفي إقامة دولة مستقلة وحسب، وإنما تشكل خطرًا كبيرًا على استقرار المنطقة ككل. كما أن لتجاهل الإدارة الأمريكية للمبادئ والقوانين الدولية تداعيات بعيدة المدى وطويلة الأجل تهدد التقدم الذي تم إحرازه في إطار قواعد النظام الدولي والتشريعات الحامية لحقوق الإنسان.
ونحن إذ ندعو المجتمع الدولي ودول المنطقة إلى رفض كافة الجهود التي تضحي بحقوق الفلسطينيين المعترف بها دوليًا، ومنها حق تقرير المصير والحق في العدالة والمساواة، نشدد على ضرورة أن تستند أي عملية سلام مشروعة إلى مبادئ القانون الدولي والعدالة والمساواة.
وعلى وجه الخصوص، ندعو الدول العربية لتعليق مشاركتها في ورشة البحرين احتجاجًا على غياب التمثيل الفلسطيني الرسمي، إذ لا يحق لأي طرف التفاوض نيابة عن الفلسطينيين. كما ندعو الدول العربية أن يتجاوز دعمها للحقوق الفلسطينية والدولة الفلسطينية الكلمات والخطب الرنانة، ويمتد للممارسة الفعلية، من خلال ضمان مشاركة الفلسطينيين، وإعمال الحقوق الفلسطينية على النحو المنصوص عليه في القانون الدولي، والحرص على وقف الاستيلاء على الأرض الفلسطينية، ووضع حد للاحتلال الإسرائيلي غير القانوني، وضمان المساءلة عن الانتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة من قبل قوة الاحتلال، سواء من خلال مؤسساتها، أو جيشها، أو وكلائها.
المنظمات الموقعة:
مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان
مؤسسة الحق
المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان
مركز الميزان لحقوق الإنسان
المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان
مركز العمل المجتمعي – جامعة القدس
بديل – المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين
المركز السوري للإعلام وحرية التعبير
الشبكة السورية لحقوق الإنسان
مركز البحرين لحقوق الإنسان
المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية
مركز دعم التحول الديمقراطي وحقوق الإنسان
المركز الليبي لحرية الصحافة
مؤسسة بلادي لحقوق الإنسان (ليبيا)
حقوقيون بلا قيود (ليبيا)
شبكة مدافعات (ليبيا)
← رسالة من المركز السوري ومنظمات سورية في ألمانيا إلى وزير الداخلية الألماني
2019-06-21
المصدر: المركز السوري للدراسات والابحاث القانونية