الرضاعة الطبيعية منذ الساعة الأولى للولادة: ما ينفع وما يضر
سواءٌ أحدثت الولادة في كوخٍ متواضعٍ في منطقةٍ ريفية أو في مستشفى فاره بمدينة كبرى، فإرضاع المواليد الجدد من صدر الأم خلال الساعة الأولى بعد الولادة يمنحهم الفرصة الفضلى ليبقوا على قيد الحياة وينموا ويزدهروا على أكمل نحوٍ ممكن. توصي اليونيسف ومنظمة الصحة العالمية بالرضاعة الطبيعية الحصرية خلال الأشهر السّتة الأولى من حياة الطفل، على أن يبدأ ذلك خلال الساعة الأولى بعد الولادة. إن الاستمرار في الرضاعة الطبيعية حصراً — دون أي طعام آخر — خلال الأشهر الستة الأولى من عمر الطفل يعزّز نموّه الحسّي والإدراكي ويقيه من الأمراض المعدية والمزمنة.
ولكن لا يُتوقّع من الأمّهات أن يقمن بذلك وحدهنّ. إذ لا بدّ أن تحظى الرضاعة الطبيعية المبكرة والحصرية بدعمٍ من المستشفيات ومراكز التوليد وعاملي الرعاية الصحية والعائلات. وعندما نتحدّث عن دعم الرضاعة الطبيعية من الساعة الأولى بعد الولادة، حريّ بنا أن نذكر الجوانب التي تجلب النفع والجوانب الضارّة.
ما ينفع: الملامسة الجسدية بعد الولادة مباشرة
تساعد الملامسة الجسدية الفورية في تنظيم درجة حرارة المولود الجديد وتعريضه للبكتيريا المفيدة من بشرة أمّه. حيث تقي هذه البكتيريا المفيدة الرضّع من الأمراض المعدية وتساعد في بناء أجهزتهم المناعية.
وللملامسة الجسدية بعد الولادة على الفور وحتى نهاية الرضعة الطبيعية الأولى فوائد أخرى كثيرة أيضاً. فقد تبيّن أنها تزيد من فرص إرضاع المواليد طبيعياً وإطالة زمن الرضاعة، فضلاً عن زيادة معدّلات الرضاعة الطبيعية الحصرية.
ما يضرّ: الأغذية أو السوائل التكميلية للمواليد الجدد
إنّ إعطاء المواليد الجدد سوائل أو أغذية غير حليب الأم خلال الأيام الأولى من حياتهم أمرٌ شائعٌ في الكثير من أنحاء العالم، وهو يرتبط على الأغلب بالأعراف الثقافية أو الممارسات الأسرية أو سياسات المستشفيات أو إجراءاتٍ لا تستند إلى أدلة علمية. وتختلف هذه الممارسات بحسب البلد، وقد تتضمن التخلّص من اللبأ، وهو أول حليب يخرج من صدر الأم بعد الولادة ويكون غنياً بالأجسام المضادة، أو إعطاء أحد الأطباء أو كبار الأسرة للوليد سوائل أو أغذية محدّدة، كالحليب الصناعي أو الماء والسكر أو العسل؛ حيث يمكن أن يؤخر ذلك التواصلَ الأول شديد الأهمية بين الوليد وأمّه.
ما ينفع: الولادة في مستشفيات ملائمة للمواليد
تقدّم المستشفيات أو المراكز الصحية "الملائمة للأطفال" الدعم الذي تحتاجه النساء كي يُرضعن رضاعة طبيعية، ولا سيّما باتّباع الخطوات العشر لنجاح الرضاعة الطبيعية. وتُرشد هذه المرافق الأمهات اللاتي تتعذّر عليهم الرضاعة الطبيعية أو قرّرن عدم الإرضاع، وذلك بتعليمهن كيفية استعمال حليب التبرّع أو تغذية الطفل بالحليب الصناعي على نحوٍ آمن.
لقد أدّت المستشفيات الملائمة للأطفال في بلدان كسيريلانكا وتركمانستان دوراً أساسياً في زيادة معدّلات الرضاعة الطبيعية. حيث تلد 90% من النساء في تركمانستان، وجميع النساء تقريباً في سيريلانكا، في مستشفيات معتمدة على أنها ملائمة للأطفال، ولدى كلا البلدين معدلات عالية لبدء الرضاعة الطبيعية مبكراً.
ما يضرّ: الولادة القيصرية بدون دعم الرضاعة الطبيعية
لقد ارتفعت معدلات الولادات القيصرية باطرادٍ خلال العقد المنصرم على مستوى العالم، ويعدّ بدء الرضاعة الطبيعية مبكراً أقل بكثير لدى الأطفال المولودين حديثاً بعمليات قيصرية.
عادةً ما تواجه الأمهات اللاتي يلدن بعمليات قيصرية صعوباتٍ بعد الولادة، كالتعافي من آثار المخدّر والشفاء بعد العملية والتماس المساعدة في حمل الطفل على نحوٍ سليم. ولكنّ الدعم السليم، وذلك بتدريب القابلات ووضع سياسات للرضاعة الطبيعية في الأجنحة الطبية الخاصة بالولادة وإشراك الآباء في الرضاعة الطبيعية، كفيلٌ بوضع الأطفال المولودين حديثاً بعمليات قيصرية على ثدي الأم خلال الساعة الأولى.
ما ينفع: تدريب القابلات على دعم الرضاعة الطبيعية
ارتفعت نسبة الولادات التي تشرف عليها قابلات ماهرات في رواندا إلى أكثر من الضعف بين عامي 2005 و2014، حيث تساعد قابلات مؤهلات في كل الولادات التي تحدث في المرافق الصحية تقريباً. وازدادت أيضاً معدلات بدء الرضاعة الطبيعية مبكّراً زيادةً كبيرةً خلال تلك الفترة. وقد تحقّق هذه التقدّم جزئياً بفضل السياسات الجديدة التي سنّتها الحكومة لدعم الرضاعة الطبيعية في المستشفيات.
ولدى رواندا حالياً 45 ألف عامل اجتماعي صحيّ يقدّمون المشورة للأمهات بشأن ممارسات التغذية والولادة الآمنة. وعلى الرغم من أن معدّل العمليات القيصرية تضاعف تقريباً من عام 2010 إلى عام 2013، لم يكن لهذه القفزة أثر على الرضاعة الطبيعية المبكرة، وتبيّن هذه النتيجة بوضوحٍ الأثر الفعّال للاختصاصيين الصحيين جيدي التدريب.
ما يضرّ: الممارسات البالية
بينما يمكن أن يكون للقابلات الماهرات دور حاسم في ضمان إرضاع الأمهات الجديدات لمواليدهن رضاعة طبيعية، ربّما لا يؤدّين هذا الدور بالضرورة. فإذا كانت العاملات غير مدرّبات، وكانت المرافق تعتمد ممارسات عفا عليها الزمن، كفصل المواليد الجدد عن أمهاتهنّ دون مبرر طبي أو إعطاء المواليد الجدد سوائل أو أغذية غير حليب الأم، فقد يضرّ ذلك بمعدلات بدء الرضاعة الطبيعية مبكراً.
بحلول عام 2014، أصبحت جميع النساء تقريباً (94%) في فيتنام يلدن في مرافق صحية، وذلك بعد أن كانت تلك النسبة 64% عام 2006. ولكن ذلك ترافق مع انخفاضٍ في بدء الرضاعة الطبيعية مبكراً، حيث انخفض معدّله بنسبة تقارب 40%. وردّاً على ذلك، اعتمدت وزارة الصحة عام 2016 توجيهاتٍ وطنيةً تشدّد على الملامسة الجسدية للمولود وأمه بعد الولادة مباشرةً وعلى دعم الرضاعة الطبيعية خلال الساعة الأولى بعد الولادة.
إن منح الأمهات الدعم الذي يحتجنه للبدء بالرضاعة الطبيعية خلال الساعة الأولى بعد الولادة يأتي بمنافع جمّة. ولكن لا يمكننا الاكتفاء بذلك. بل يجب أن تُمنَح الأمهات الحرية للاستمرار في الرضاعة الطبيعية طالما يردن ذلك. وتقع على عاتقنا مسؤولية جماعية في إزالة العقبات التي تجعل الرضاعة الطبيعية أمراً محفوفاً بالصعوبات في مجتمعنا.
ما ينفع: إجازة الأمومة مدفوعة الأجر
يجب عدم إجبار النساء العاملات على الاختيار بين الرضاعة الطبيعية والعمل. وتوصي منظمة العمل الدولية الحكومات بمنح المرأة الحق في إجازة أمومة مدفوعة الأجر لمدة 18 أسبوعاً وضمان أن يتوفر لها الوقت والمكان للاستمرار في الرضاعة الطبيعية عند عودتها إلى العمل. وتوصي اليونيسف باتّباع هذه التوجيهات باعتبارها الحدّ الأدنى من المتطلبات.
ما يضرّ: أماكن عمل لا تعتمد سياسات تدعم الرضاعة الطبيعية
عندما تعود النساء إلى العمل، يحتجن إلى الدعم من أرباب عملهنّ كي يستمررن بالرضاعة الطبيعية. ويعدّ الحق في الرضاعة الطبيعية في مكان العمل شديد الأهمية بالنسبة للنساء اللاتي يرغبن في مواصلة إرضاع أطفالهن طبيعياً، وهو يوازي في أهميّته توفر الوقت الكافي والمكان اللائق للرضاعة الطبيعية أو استدرار حليب الثدي وتخزينه.
بقلم ليا سليم
2018-08-13
المصدر: اليونيسيف