كيف نتعامل مع الاضطرابات النفسية الناتجة عن “كوفيد- 19”
كلما طالت الأزمة في سياق جائحة “كوفيد- 19” الناجمة عن الإصابة بفيروس “كورونا المستجد”، زاد التركيز على تداعياتها النفسية، وقد أظهرت المعلومات السريرية لمرضى “كوفيد- 19” حدوث اضطرابات تشمل التوتر والقلق والخوف والحزن والشعور بالوحدة، كما يمكن أن تتفاقم اضطرابات الصحة العقلية، بما في ذلك القلق والاكتئاب.
وتشكل تغيرات الحالة العقلية ثاني أكثر الاختلاطات العصبية النفسية حدوثًا عند مرضى “كوفيد- 19” بعد الحوادث الوعائية الدماغية، لذلك فإنه من الضروري تتبع المضاعفات النفسية حتى عند المرضى الذين لا تتطلب درجة مرضهم القبول في المستشفى، بغية تحديد الأشخاص الأكثر تعرضًا للإصابة بها ومن ثم تحديد أفضل الطرق لعلاجها.
وقد تكشف الدراسات المجتمعية حدوث موجة من العواقب النفسية بعد تراجع الجائحة وشفاء حالات “كوفيد- 19” البسيطة، فقد لوحظ استمرار أعراض الاكتئاب والقلق لوقت مديد في أثناء وعقب حدوث جائحات إنتانية سابقة مثل المتلازمة “التنفسية الحادة الشديدة” (سارس) ومتلازمة “الشرق الأوسط التنفسية” (ميرس) وداء فيروس “إيبولا”، ويتوقع أن هذه الملاحظة تنطبق على جائحة “كوفيد- 19”.
ما أسباب حدوث الاضطرابات النفسية عند مرضى “كوفيد- 19″؟
يمكن للواقع الجديد الذي فرضته جائحة “كوفيد- 19” المتمثل بالعزل الاجتماعي وغياب التواصل المباشر مع الأهل والأصدقاء، والبطالة، والمشاغل الاقتصادية، والمستقبل غير الآمن، بالإضافة إلى الخوف على الصحة الشخصية وصحة العائلة والأصدقاء، أن يؤدي إلى حدوث اضطرابات نفسية عند الناس في جميع أنحاء العالم.
ولا تزال التداعيات النفسية الطويلة الأمد غير معروفة بعد، لكن ظهرت الآن أولى الدراسات التي تشير إلى ازدياد مخاطر الاكتئاب وأمراض الخوف واضطرابات التوتر والسلوك الإدماني، في ظل هذه الجائحة.
بالإضافة إلى ذلك، فإنه ليست التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية فقط هي ما يمكن أن يتركها “كوفيد- 19″ على الصحة النفسية، فقد كشفت دراسة أُجريت على مرضى لديهم أعراض شديدة بـ”كوفيد- 19” عن وجود ترافق بين معدل حدوث الاكتئاب والقلق وبين درجة فقد حاستي الشم والتذوق، بينما لم يلاحَظ مثل هذا الترافق مع شدة أعراض المرض الأخرى، ما قاد إلى استنتاج أن بعض الاضطرابات النفسية المشاهدة في سياق “كوفيد- 19” هي نتيجة تأثر الجملة العصبية المركزية.
هل تقتصر الاضطرابات على المصابين بالمرض؟
لا، فقد يصاب مقدمو الرعاية الصحية الذين يعملون تحت ضغط هائل وهم يوازنون بين واجبهم المهني واحتياجاتهم الشخصية، وتتزايد مخاوفهم بسبب عدم كفاية إجراءات ضبط الإنتان والخوف من العدوى الشخصية أو الأسرية، ما قد يقود للإصابة بالاكتئاب (20- 40% من الحالات) أو القلق (30- 70% من الحالات) أو اضطراب الكرب التالي للرض أو الأرق والإنهاك العاطفي، وقد لوحظ أن حدوث القلق والاكتئاب مرتفع عند المعرضين لعدوى “كوفيد- 19” من العاملين في خط الرعاية الصحية الأول وعند الذين أُصيبوا بالعدوى، كما أن الخوف من العدوى الشخصية والخوف على الأهل والزملاء من العدوى يشكل سببًا رئيسًا للكرب.
ويرتبط شيوع أعراض الاكتئاب والقلق بين مقدمي الرعاية المترافقة مع “كوفيد- 19” باعتبارات وبائية وبالموارد المادية والبشرية وبعوامل شخصية:
وبائيًا، يتناسب احتمال تطور أعراض نفسية مع معدلات انتشار الإنتان في المنطقة، إذ تكون المعاناة على أشدها في أثناء تزايد عدد الإصابات، وعند عدم توفر خبرة بالتعامل مع جائحات مماثلة، وعند عدم توفير الحكومات معلومات شفافة لخطط وقاية ومعالجة مجدية.
أما بالنسبة للموارد المادية، فإن نقصها، ولا سيما وسائل الوقاية الشخصية، يترافق بخشية العدوى بين مقدمي الرعاية الصحية، بينما يخفف تأمين أماكن ووقت راحة من تأثير الإعياء الجسدي والنفسي عند مقدمي الرعاية الصحية، وإن تأمين هذه الأماكن هو أكثر جدوى من تقديم الدعم النفسي في أثناء الجائحة.
وبالنسبة للموارد البشرية، فإن احتمال معاناة الكرب العقلي يكون مرتفعًا عند الاحتكاك اللصيق بمرضى “كوفيد- 19” وعند ارتفاع مستوى المسؤولية، كالعاملين في خط الرعاية الأول بأقسام الإسعاف ووحدات العناية المركزة وسيارات الإسعاف ووحدات استشفاء مرضى “كوفيد- 19”.
ومن ناحية العوامل الشخصية، فإن الصحة الجسدية والعقلية تكون أسوأ لدى النساء في أثناء الجائحات، كذلك فإن الشباب يكونون أكثر خشية من العدوى من المسنين، ويكون متوسطو العمر أكثر مناعة ضد الكرب، والذين لديهم أولاد يكون الخوف لديهم من العدوى أشد، كما أن احتمال حدوث القلق والاكتئاب يزداد عند أصحاب الشخصية العصابية أو عند الشعور بالوحدة أو عند من لديهم سوابق اضطراب عقلي أو شكاوى جسدية.
كذلك فإن جائحة “كوفيد- 19” أدت إلى مضاعفات نفسية اجتماعية، فرغم أن المرض لم يصب سوى حوالي 1% من سكان الأرض فإن الخوف منه أصاب كل البشر، فالعدوى ما زالت مستمرة والوفيات في كل مكان، كما أن هذه الجائحة استدعت تغييرات حياتية مكربة، كالحجر في البيوت، واستنزاف الأموال، والعمل عن بُعد، والبطالة المؤقتة، وتعليم الأطفال في المنزل، وغياب الاتصال المباشر مع أفراد الأسرة الآخرين والأصدقاء والزملاء، وقد استجاب البعض بشكل إيجابي فاتبع تعليمات الوقاية، بينما كانت استجابة آخرين سلبية، ففقدوا الشعور بالأمان وراحوا يفرطون بالتسوق والتخزين، وعانوا من الكرب، وأُصيب بعضهم بالاكتئاب والقلق وما يرافقهما من تدهور الأداء وأفكار زورية وانتحارية.
متى يتعيّن على المصاب باضطراب نفسي طلب المشورة الطبية؟
إن الشعور بالحزن أو الاكتئاب، نظرًا إلى الجائحة وما يرتبط بها من قيود على المخالطات، يُعد رد فعل اعتياديًا تمامًا، لكن يجب طلب المشورة الطبية إذا لاحظ الشخص قلة أو انعدام إمكانية الشعور بالسعادة، أو كان هناك إفراط في انعدام الدافع وإفراط في الشعور بالإعياء، أو إذا لم يعد بإمكانه الخروج من دوائر التفكير، على سبيل المثال باقتصار التفكير فقط على احتمال الإصابة بعدوى الفيروس، وازداد الشعور بالتقيد من خلال ذلك.
كيف نحافظ على السلامة العقلية في أثناء جائحة “كوفيد- 19″؟
هناك عدة عوامل تساعد على الحفاظ على الصحة العقلية في أثناء جائحة “كوفيد- 19” وتشمل:
· التواصل الاجتماعي: التواصل المنتظم مع الأهل والأصدقاء عبر الهاتف أو الإنترنت (أونلاين).
· الانشغال: ممارسة النشاطات التي تملأ الوقت وتحسّن المشاعر، كالهوايات والرسم والموسيقى والقراءة والتلفاز ومشاهدة الأفلام وتحسين المنزل.
· الرياضة: سواء ممارسة رياضات المشي والركض في الهواء الطلق أو التمارين الرياضية “أونلاين”.
· المحافظة على الهدوء: عن طريق الاسترخاء والتأمل، أو الصلاة والتعبد.
· ترشيد الاطلاع على المعلومات: عن طريق تخفيف استخدام “السوشيال ميديا” ونشرات الأخبار لتخفيف القلق.
· استمرار الروتين: وجود خطة أو روتين يومي يساعد في الحفاظ على الصحة العقلية لا سيما بما يخص تلقي الرعاية، مثلا:
التعوّد على الاستيقاظ والذهاب إلى السرير في نفس الأوقات يوميًا.
الحفاظ على النظافة الشخصية.
تناول وجبات صحية في أوقات منتظمة.
ممارسة الرياضة بانتظام.
تخصيص وقت للعمل ووقت للراحة.
تخصيص وقت للقيام بالأشياء المحببة.
المصدر : عنب بلدي