إدارة التفاوض
التفاوض و حل النزاعات ليس مجرد جلوس مجموعة من رجال السياسة في مؤتمر ما و تضييع الكثير من الوقت في المناقشة حول الموضوعات الجدلية و محل الخلاف فحسب، بل هو نشاط أكبر من ذلك يتضمن أساليب و استراتيجيات متعددة لتحقيق النجاح الفعلي في حل موضوع النزاع بحيث يتحول لحالة إيجابية أفضل خالية من أجواء المشاعر و التوجهات السلبية.
على ذلك نجد أن التفاوض في حقيقته فن يتضمن عرض لوجهات النظر بطريقة صحيحة و استخدام لغة الجسد بالإضافة للغة اللفظية و اتباع طرق الإقناع المعروفة كافة لبيان وجهات النظر الصحيحة حول موضوع النقاش.و يهدف التفاوض عادة إما للحفاظ على مصالح موجودة بالفعل، و إما لإقناع طرف ما بأهمية التغيير في موقفه أو عدم فعل تصرفات من شأنها أن تسبب مشكلات لآخرين و تؤدي لتفاقم موضوع أو المشكلة موضع التفاوض.
و تنبع أهمية التفاوض من أنه يكون الوسيلة الوحيدة لحل النزاع أو الجدل القائم لحل المشكلة، كما أن الحاجة لهذا العلم المتميز تزداد و بشدة مع تشعب و تعدد العلاقات الكبير على كافة مستويات التعامل الفردي و الجماعي و كونه السبيل الأفضل للتعايش و تحقيق نوع من التوافق بين المصالح المختلفة. و لذلك فهو عملية قديمة للغاية و مرتبطة بوجود الإنسان نفسه على سطح الأرض، و تطورت أساليب التفاوض على مر العصور بتطور المجتمعات البشرية و تعقد أساليب الحياة و أنماطها و كلما زاد التطور البشري زادت المشكلات و زاد تعقد المصالح و تشابكها و زادت أيضا القضايا و المسائل موضع الجدل و التفاوض ، ويكون ذلك على مستوى الدول و الأفراد على حد سواء
و التفاوض ليس وسيلة فقط لحل النزاعات و لكنه وسيلة هامة لتبادل الأفكار و الرؤى المختلفة نحو العديد من القضايا، كما أنه وسيلة لحل النزاعات و التغلب على الشرور الموجودة في النفوس البشرية أحيانا، كما أنه يتيح أرضية جيدة للتفاهم و التواصل المشترك، و يعمل كذلك على توفير الوقت و الجهد اللذين يمكن تضييعهما في المشاحنات و النزاعات دون جدوى، كما أنه يترك آثارا أفضل في نفوس المتنازعين بشكل لا توفره وسائل حل النزاعات العنيفة أو القانونية.
و لأهمية مجال التفاوض الكبيرة في حياة البشر و تعاملاتهم فقد أفردت له الجامعات أقساما و أصبحت تقدم لأجله شهادات للمتخرجين تتيح لهم العمل به كمهنة مستقلة، يقوم من يمارسها بتقديم رسالة قبل أن تكون خدمة و مفاد تلك الرسالة أن التفاوض من أحسن السبل لفتح مغاليق القلوب و العقول معا، و هو سبيل لا غنى عنه لتسيير حياة البشر و معاملاتهم.
المصدر: الأكاديمية العربية البريطانية للتعليم العالي