شمال غربي سوريا.. كيف سيؤثر إغلاق باب الهوى بوجه المساعدات على الأمن الغذائي؟
لا تتجاوب روسيا حتى الآن مع المطالب الدولية المتكررة لضمان دخول المساعدات الإنسانية إلى الشعب السوري عبر الحدود وفق قرار مجلس الأمن، والتي كان آخرها ما أكد عليه وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في اجتماع مع نظيره الروسي، سيرغي لافروف، في العاصمة الأيسلندية ريكيافيك يوم الأربعاء الفائت، وما سبقه قبل يوم من رسالة وجهتها شخصيات سورية وأخرى بريطانية إلى وزير الخارجية البريطاني، دومنيك راب، تطالب بضرورة تمديد آلية إدخال المساعدات عبر الحدود.
ودعا رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، فولكان بوزكير، في الخامس من الشهر الجاري، إلى استمرار المساعدات الإنسانية إلى سوريا من دون انقطاع، مشيراً إلى زيادة الطلب على المساعدات فيها بنسبة 20 % خلال العام 2020.
إغلاق معبر باب الهوى يهدد بقطع المساعدات الإنسانية عن نحو 4.2 ملايين شخص يعيشون في مناطق سيطرة المعارضة في شمال غربي سوريا، بحسب تقديرات الأمم المتحدة الأخيرة في منتصف نيسان الفائت، ويمثل هذا الرقم 75 % من السكان، ويستفيد شهرياً 85% من المحتاجين من المساعدات التي تدخل شمال غربي سوريا عبر معبر باب الهوى، آخر المعابر المتبقية لدخول المساعدات الإنسانية لمناطق سيطرة المعارضة بعد استخدام كل من روسيا والصين حق النقض "الفيتو" ضد قرار بلجيكي ألماني لتمديد دخول المساعدات عبر أربعة معابر مع تركيا والعراق والأردن، مما دفع بلجيكا وألمانيا إلى تعديل القرار ليقتصر على دخول المساعدات الإنسانية المقدمة من الأمم المتحدة عبر معبر واحد ولعام واحد ابتداء من 11 تموز 2020.
وتسعى روسيا من خلال اعتراضها على تمديد آلية دخول المساعدات عبر معبر باب الهوى إلى إيصالها عبر مناطق النظام وهو ما ترفضه عدة دول ومنظمات غربية خشية تلاعب نظام الأسد في المساعدات وعدم إيصالها لمستحقيها، واستخدامها كسلاح ضد المناطق الخارجة عن حكم الأسد.
وحذّر معهد "بروكينغز" الأميركي في تقرير له، من أن ملايين السوريين يتجهون نحو "كارثة إنسانية كبيرة" في تموز المقبل، في حال فشل مجلس الأمن الدولي بتمديد آلية إيصال المساعدات الإنسانية إلى مستحقيها في شمال غربي سوريا عن طريق معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا وهو أيضاً ما حذر منه عاملون في المنظمات الإغاثية والإنسانية خاصة في إدلب التي يقطنها ملايين النازحين والمهجرين قسراً.
أكثر من نصف المساعدات غذائية
يشكل الغذاء أكثر من نصف المساعدات الإنسانية الواردة إلى إدلب، وتليه المساعدات الطبية واللوجستية وتأمين حاجات النازحين وبناء المخيمات ودعم قطاعي التعليم والصحة، وقد بلغت قيمة المساعدات التي دخلت عام 2020 عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا 385 ألفاً و349 طناً من المساعدات، أكثر من نصفها من الأمم المتحدة، بحسب مازن علوش مدير المكتب الإعلامي لمعبر باب الهوى.
وأشار علوش في حديثه لموقع تلفزيون سوريا إلى أن 41214 طناً من المساعدات دخلت عبر باب الهوى خلال شهر نيسان الفائت، 85٪ منها غذائية، وهذا يؤكد ارتفاع نسبة الحاجة للغذاء لدى النازحين.
إنتاج الخبز في إدلب
ويعتبر الخبز في أعلى مراتب سلم الاحتياجات الغذائية بالنسبة للسكان في إدلب، حيث تنتج أفران إدلب التي يزيد عددها على 170 فرناً، أكثر من 10 ملايين رغيف خبز يومياً، باستهلاك يومي يصل إلى 900 طن من الطحين، ويقع الاعتماد الأكبر على الطحين الذي يدخل على شكل مساعدات إنسانية.
وفي حين تُباع ربطة الخبز بليرتين تركيتين، يستفيد مئات آلاف النازحين في المخيمات من الخبز المجاني الذي يعتمد على الطحين المجاني المقدم ضمن برنامج الأغذية العالمي WFP التابع للأمم المتحدة.
سعر ربطة الخبز مهدد بالارتفاع، ولا خبز مجاناً لسكان المخيمات
يقول محمد دعبول مدير العلاقات العامة في وزارة الاقتصاد والموارد التابعة لحكومة الإنقاذ: إن توقف مشروع WFP التابع للأمم المتحدة سيكون له آثار سلبية على سكان المخيمات، لأن معظمهم يعتمدون بشكل أساسي على المساعدات المقدمة من البرنامج، وسيؤدي توقف توريد الطحين من الأمم المتحدة إلى حرمان سكان المخيمات من الخبز المجاني، لأنه لا يوجد بديل عنه في الوقت الحالي.
وأضاف دعبول أن الطحين الذي يصل إلى إدلب على شكل مساعدات يتم استهلاكه بشكل فوري ولا يوجد أي مخزون منه، وتوقف دخول طحين المساعدات سيؤدي للاعتماد على مخزون القمح المحلي القليل، وسيجبر الجهات المعنية على استيراد الطحين من الخارج مما يؤدي بطبيعة الحال لارتفاع سعر ربطة الخبز.
هذا ويبلغ مخزون القمح في إدلب 25 ألف طن، ويكفي لشهر واحد فقط إن تم الاعتماد عليه بشكل كلّي.
وتُخزّن مؤسسة الحبوب القمح في صوامع مخصصة لهذا الغرض، وتبلغ سعتها التخزينية الجاهزة حاليا من 70- 80 ألف طن، يمكن زيادتها إن اقتضت الحاجة.
إدلب بلا سلة زراعية والمزارعون يعزفون عن القمح
وكان لحملات النظام وحلفائه الروس والإيرانيين الدور الأكبر في معاناة السوريين حيث خسرت المعارضة في الحملة العسكرية الأخيرة عليها نهاية 2019 ومطلع 2020 أكثر من 2300 كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية التي كانت بحوزتها، وبقيت تسيطر على 600 كيلومتر مربع من الأراضي الزراعية فقط والتي تزرع رياً وبعلاً.
وتشغر زراعة القمح حوالي 98 كيلومترا مربعا فقط من الأراضي المخصصة للزراعة، أكثر من نصفها تزرع بعلاً، بحسب "مصطفى الموحد" رئيس دائرة التخطيط والإحصاء في وزارة الزراعة والري بإدلب.
ويعزو "الموحد" أسباب تراجع زراعة القمح إلى منافسة المحاصيل الطبية والعطرية والفول، نظراً لارتفاع أسعارها مقارنة بالقمح الذي يتأثر أيضاً بارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج وارتفاع أسعار المحروقات.
وارتفعت أسعار بذار القمح هذا العام ووصلت كلفة البذار المطلوبة لزراعة الدونم الواحد 7 دولارات أميركية، فضلاً عن الارتفاع الكبير في أسعار المحروقات اللازمة للري، في حين تبلغ تكاليف حصاد الدونم الواحد المزروع بالقمح 8 دولارات أميركية.
وبحسب دائرة التخطيط والإحصاء في حكومة الإنقاذ، تبلغ مساحة القمح المروي المزروع هذا الموسم في إدلب 4507 هكتارات والبعلي 5281 هكتاراً.
الحلول الممكنة
يعتبر مصطفى الموحد أنه بالإمكان زراعة مساحة تعادل ضعف المساحة المزروعة لهذا العام، بحسب الخطط التي تضعها وزارة الزراعة والري للعام المقبل.
وأشار إلى أن ضعف الهطول المطري هذا العام سيؤدي لتراجع المحاصيل المنافسة للقمح، مما يتيح له المجال مجدداً للانتعاش، وذلك بالتوازي مع الإجراءات التي تقوم بها الوزارة لتشجيع المزارعين على زراعة القمح عبر تقديم البذار المحسنة والنقية بأسعار مقبولة وشراء القمح من المزارعين بأسعار مشجعة وتوجيه المنظمات لدعم مزارعي القمح ببعض مستلزمات الإنتاج والمحروقات لتخفيف التكاليف عليهم.
ويتخوف السكان في إدلب من توقف دخول المساعدات الإنسانية وعلى رأسها الطحين الذي سيتسبب برفع سعر ربطة الخبز الذي يعتبره السكان مرتفعاً بالأساس مقارنة بدخلهم اليومي، وخاصة العمال منهم الذين لا يتقاضون أجراً يومياً يزيد على 15 ليرة تركية يذهب ثلثه ثمناً للخبز فقط
المصدر: تلفزيون سوريا