ربع مليون طفل لن يتقدموا لامتحانات نهاية العام في إدلب
حان الوقت للقول إن التعليم في المناطق المحررة شمال سوريا أصبح هذه الأيام حاجة ترفيهية بات التخلي عنه واجباً عند المفاضلة بين العلم أو الموت، بعد أن حولت حمم الطائرات الروسية وقصف النظام الحملة الجوية الأخيرة على مناطق خفض التصعيد مدارس الشمال السوري إلى مشاريع مقابر.
ويؤكد تقرير وزارة التربية الحرة التابع للحكومة المؤقتة وتقرير آخر لشبكة حراس الطفولة أن طفلا على الأقل يقتل كل يوم، ويجرح اثنين آخرين في مناطق خفض التصعيد جميعهم بعمر الدراسة.
ضحايا القصف
يقول تقرير الحكومة المؤقتة وحراس الطفولة إن ثلاثة وعشرين طفلا قتل في قصف النظام وروسيا خلال العشرين يوماً الممتدة بين (20 نيسان-10 أيار) وجرح ثلاثة وأربعون طفلاً في الفترة ذاتها، فيما يقول تقرير الحكومة المؤقتة أن خمسة عشر طفلاً لقوا مصرعهم في غارات الطيران الروسي خلال الفترة ذاتها إلى جانب ثلاثة معلمين، حيث يعمل في شمال سوريا قرابة 2500 معلم ومعلمة.
ما دفع بالحكومة لاتخاذ قرار بإغلاق ثمانمئةِ مدرسة من أصل ألف ومئتين تقريبا خوفاً على أرواح الأطفال وسلامة الكوادر التعليمية في إدلب وريفها وريفي حلب وحماة، وهو ما يعني أن ربع مليون طفل سوري لم يتقدموا لامتحانات نهاية العام الدراسي الحالي وفق تقرير حراس الطفولة.
يأتي ذلك التدهور في التعليم عقب تصاعد وتيرة القصف الجوي الذي يمارسه الطيران الروسي وطيران النظام بشكل متعمد على كل المرافق التعليمية في عموم مناطق خفض التصعيد المذكورة ما يتهدد سلامة الكوادر التعليمية أيضاً.
ويقول تقرير "حراس" أن ستَّ عشرة مدرسة استهدفت بالفعل مناطق خفض التصعيد فيما يقول تقرير الحكومة المؤقتة الأولي أن سبع و ثلاثين مدرسة تضررت في القصف خلال 20نيسان -10 أيار، بعضها خرج عن الخدمة و بعضها يحتاج لصيانة وترميم.
تأجيل الامتحانات
من جهتها تابعت وزارة التربية والتعليم في الحكومة المؤقتة، اتخاذ ما يمكن اتخاذه من بعض التدابير الاحترازية حيث أجلت الامتحانات العامة لشهادتي التعليم الأساسي والثانوية بفروعها العلمي والأدبي والشرعي و المهني وفق تصريح الدكتور عماد برق وزير التعليم في الحكومة السورية المؤقتة الذي بين أن القرار اتخذ بالفعل بتأجيل هذه الامتحانات من 9/6/2019 إلى 23/6/2019 إذ تأمل وزارة التربية الحرة وفقا ما جاء في تقريرها الأخير "بأن تهدأ الأوضاع وتستقر المنطقة وتجرى الامتحانات بهدوء، ولكن إن استمرت الأزمة أو زادت حدتها أكثر ممكن أن تؤجل إلى وقت آخر حسب الظروف، وذلك حفاظاً على حياة الطلاب وسلامتهم وسلامة المعلمين".
بالقدر الذي يبدو فيه الرقم شفافا يبدو صعباً الحصول عليه إذ ثمة تفاوت بين أرقام المنظمات الإنسانية وتلك العائدة للحكومة المؤقتة فمن أصل ثلاثمئة وخمسين طفلا بعمر الدراسة شمال سوريا تقول أرقام شبكة حراس أن ثمانين ألفاً منهم نزح بعد إخلاء تسعين بالمئة من مناطق سكنهم الأصلية مع ذويهم بينما تقول أرقام التربية الحرة أن أربعة وعشرين ألف طفل فقط نزح من الأماكن الساخنة إلى جانب قرابة ألف ومئتي معلم ومعلمة.
وتؤكد ليلى حسو مديرة قسم التواصل في شبكة حراس "دقة الإحصائيات التي أوردوها فيما يتعلق بعدد المدارس المتوقفة بناء على تعميم صادر من مديرية التربية الحرة في إدلب بإيقاف جميع المدارس التابعة لمجمعات التربية عدا مجمع حارم".
وبالفعل لا تزال بعض المدارس المنتشرة في مناطق متفرقة من ريف حلب الغربي وبعض المدن الحدودية تترك الباب مواربا لمن يريد التقدم لامتحانات نهاية العام فهي أيضا ليست بأفضل حال من المدارس التي أغلقت بسبب القصف، إذ تعاني هي الأخرى نقصاً فادحا في التمويل.
وتقول المدرسة مريم عبد الكريم في ريف حلب الغربي " إن الطلاب في مدارس البلدة تمكنوا من تقديم امتحاناتهم النهائية خلال نيسان الفائت نظرا لحملة القصف ولتوقف الدعم عن رواتب العاملين خلال شهر أيار وبتنا مجبرين على اختزال المنهج التعليمي وفقا لموارد الدعم المهددة بالتوقف في أي شهر ".
مبادرات
ولكن تعاني الخريطة التعليمية انحسارا واضحا ينذر بتجهيل جيل كامل وكان فيديو متداول أظهر قيام أحد الناشطين بعرض ورقة مكتوب عليها لفظ الجلالة ( الله) على عينة من أطفال المخيمات ليبدي جميع الأطفال المستطلعين جهلهم وعجزهم عن قراءة هذه الكلمة في دلالة واضحة على تردي الواقع التعليمي في عموم المناطق المحررة وحتى في المخيمات الحدودية التي يفترض نظريا أنها آمنة ولا تطالها طائرات النظام وروسيا.
وسط كل الظلام لاتزال هناك مبادرات أشبه ببقعة ضوء تشجع على استمرار العملية التعليمية من خلال منصات إلكترونية مخصصة للتعلم في حالات الطوارئ، يقول مؤسس المدرسة الرقمية محمود سكر إن تطبيق المدرسة الرقمية مصمم ومتاح لكل الطلاب المنقطعين عن التعليم في سوريا وخارجها وهو مفيد لمواصلة العملية التعليمية في المناطق المعرضة للقصف إذ يمكن الولوج إليها من خلال شبكة الإنترنيت أو الحصول على أقراص مدمجة تحتوي على كامل المنهاج التعليمي من الصف الخامس وحتى البكالوريا.
يمكن القول أن التعليم الإلكتروني هو الأسلم خلال هذه المرحلة، حيث استهدفت طائرات النظام وروسيا في فترة سابقة ما يسمى المكتبة المتنقلة بحسب ما أفاد به ليث العبد الله ناشط إنساني موجود في ريف حلب الغربي يضيف: "كنا متحمسين لتجربة المكتبة المتنقلة وهي عبارة عن سيارة من طراز فان تشتمل على كتب للأطفال يتعين على كل طفل الجلوس داخلها و قراءة قصة ومن ثم تلخيصها وشرحها لأصدقائه وهو إن فعل يحصل على هدية إلى جانب المتابعة و الدعم النفسي ، لكن للأسف قصفت السيارة و دمرت المكتبة بشكل متعمد من قبل طيران النظام وتحولت من مكتبة لقبر ".
ربما تبرر دواعي السلامة والحفاظ على أرواح مئات آلاف الأطفال إغلاق أبواب المدارس إلى أجل غير مسمى ولكن كيف يمكن مقاومة محاولات التجهيل المستمرة لأطفال المناطق المحررة، سيما وأن الوضع لا ينذر بأن المستقبل سيكون أفضل حالا تعليميا على الأقل.
كريمة محب الدين
2019-05-22
المصدر: تلفزيون سوريا