طبيب يكشف أسماء وصور أطباء عذبوا وقتلوا متظاهرين في "مشفى حمص العسكري"
خلف أسوار المشفى العسكري في حمص وداخل أجنحته كانت أبشع أنواع التعذيب والتصفية تُمارس بحق الجرحى والمصابين في المظاهرات السلمية بداية اندلاع الثورة في المدينة وريفها، حتى تحول هذا المشفى إلى "مسلخ بشري" لا مكان للرحمة فيه.
وأظهر فيديو تم عرضه على القناة البريطانية الرابعة عام 2012 مشاهد صادمة -في حينها- من داخل المشفى، وما كان يتعرض له المصابون من تعذيب في أسرّتهم من قبل الأطباء والكوادر الطبية وعناصر الأمن المتوزعين في كل ركن من المشفى الواقع في حي "الوعر" غرب مدينة حمص.
وظهر في الفيديو الذي تم تصويره في الأشهر الثلاث الأولى من الثورة عدد من المصابين معصوبي الأعين ومقيدي الأيدي إلى الأسرّة، وبحسب أوامر النظام كان يتم جلب كل من قتل أو أصيب في المظاهرات في حمص إلى هذا المشفى المعروف باسم "مشفى عبد القادر شقفة" أيضاً ليتعرضوا لتعذيب سادي بالسوط والهراوات وتكسير الأرجل، علاوة على الصعق الكهربائي، ويتم ثني أقدام المصابين بطريقة معاكسة لطبيعتها حتى يتم كسرها أو يتم ضرب رؤوسهم بالجدران، ويتم ربطهم بالأسرّة الحديدية ويمنع عنهم الطعام لأيام كما يتم ربط أحاليل آخرين لمنعهم من التبول بدل علاجهم.
الدكتور "محمد وهبي" الذي التحق بالمشفى العسكري لمتابعة اختصاصه في الجراحة البولية في شباط فبراير/2011 روى لـ"زمان الوصل" جوانب مما عايشه ورآه داخل المشفى، فكان شاهداً على الكثير من الممارسات اللاإنسانية والعصنرية والطائفية من قبل عناصر في المشفى بمن فيهم مدير المشفى العميد "علي عاصي" الذي ينحدر من مدينة "مصياف"، وعدد كبير من الأطباء والكادر التمريضي وحتى "شركة البجعة للتنظيفات" المتعاقدة مع المشفى -كما يقول محدثنا- كان لها دور في تعذيب المصابين، لأن أغلب عمالها كانوا من المخبرين والمتعاملين مع مخابرات النظام.
وكانت عمليات التعذيب -حسب قوله- تجري في كل مكان، من سيارة الإسعاف إلى أجنحة المستشفى وقسم الأشعة وداخل التواليتات، وحتى في أقسام العناية المركزة.
ومن الأطباء المتهمين بتعذيب المصابين في المشفى العسكري "علاء موسى"، وهو طبيب كان يختص بالجراحة العظمية وهو من قرية "الحواش" بوادي النصارى. وأكد محدثنا أن الطبيب الذي لجأ مؤخراً إلى ألمانيا كان يضمر حقداً كبيراً على المتظاهرين، ويتلذذ بتعذيب المصابين في المظاهرات كنوع من إظهار ولائه للنظام، وذات مرة -كما يقول محدثنا- جيء بمصاب فما كان من الطبيب المذكور إلا تعريته وسكب الكحول على عضوه الذكري ثم أشعل نار قداحته فيه وجلس يتلذذ بصرخاته وآلامه.
وتابع "وهبي" سارداً جوانب من قصص تعذيب المصابين في المشفى العسكري فذات يوم رمضاني جاء عناصر الأمن بشاب من حي "الخالدية" أصيب في بطنه عند دوار القاهرة ونزل -كما يقول- إلى غرفة العمليات لمساعدة الطبيب الأخصائي في العملية التي أجريت للمريض وهي عبارة عن فتح بطن ومعالجة تهتك الأمعاء وامتدت لـ 6 ساعات، وعندما كان يتابع علاج الشاب ويركب له قسطرة بولية جاء عنصر من عناصر الشرطة العسكرية يدعى "جهاد" وهو مجند من مدينة الرقة وبدأ بتعذيب الشاب المصاب وضربه على مكان العملية بعد أن أفاق من التخدير، وحينها -كما يروي المصدر- تدخل ليقول للعنصر "إذا كنتم تريدون قتله فلماذا لم تقتلوه قبل أن يتلقى العلاج"، فاتهمه بأنه يدافع عن الإرهابيين، وفي اليوم التالي -كما يقول- "وهبي" علم مدير المشفى بالموضوع فقام بجمع كل الأطباء المقيمين والأخصائيين ونبههم من التدخل بعمل عناصر الشرطة العسكرية أو الجيش، محذراً إياهم من التعامل أو مساعدة أي من المصابين المسلحين الإرهابيين –حسب وصفه- وأن عملهم طبي فقط، مما يشير إلى أن التعذيب –حسب محدثنا- كان موضوعاً ممنهجاً وليس تصرفات فردية.
وروى الطبيب "وهبي" أنه كان شاهداً على جريمة قتل شخص داخل المشفى العسكري أثناء أحداث "الرستن" وحينها اعتادت سيارات الإسعاف -كما يقول- على نقل مصابي الأمن والجيش، ولكن ممرضاً وسائقاً نزلا من إحدى السيارات على باب الإسعاف وهما يصيحان "أحضرنا مسلحاً".
وتابع محدثنا الذي كان مناوباً في الإسعاف حينها أن المصاب كان يلبس جلابية ويمشي على قدميه ولم يكن هناك ما يدل على إصابته، وتم إدخاله إلى الإسعاف وحينما حاول "وهبي" الكشف عنه فوجئ بعدد من مستخدمي شركة "البجعة" للتنظيفات يهجمون على المصاب وينهالون عليه بالضرب وهم يصرخون في وجهه: "إرهابيين. مخربين.. تريدون تخريب البلد".
وتابع محدثنا أن طبيباً يُدعى "شعيب النقري" من قرية "رام العنز" الموالية بريف حمص الغربي وهو مختص في الجراحة العامة حضر بعدها وقال لمن حوله إن الشخص المذكور بحاجة لعملية رغم أنه لم يكن بحاجة لها فلا آثار للدم أو للإصابة على جسده باستثناء كدمات الضرب والتعذيب التي تلقاها في حينه.
واستدرك أن المريض المذكور أُدخل بعدها إلى غرفة العمليات ودخل الطبيب شعيب وابن عمه المدعو "أسامة النقري" الذي كان في السنة الثانية لاختصاص الجراحة، وعندما حاول "وهبي" الدخول إلى غرفة العمليات لمعرفة ما سيجري منعه رئيس مفرزة الشرطة العسكرية وهو مساعد أول يدعى "أيمن محمد" من قرية "عرقايا" الموالية في ريف "مصياف"، حيث كان يقف على الباب ومنعه من الدخول طالباً منه البقاء في جناح الإسعاف، وبعد ربع ساعة خرج الدكتور "شعيب النقري"، وطلب من موظفي التسجيل أن يسجلوا أن "المصاب مات بسبب نزف غير مسيطر عليه".
وأكد محدثنا أن المصاب المذكور تم قتله حكما، ولكن الطريقة غير معروفة، وربما أُعطيت للضحية إبرة بوتاسيوم -كما يقول- أو أي شي بالوريد ما أدى لوفاته على الفور كما حصل في حالات كثيرة شهدها المشفى.
من الخالدية فهو ضدنا
ومن الحالات التي تدل على طائفية وعنصرية أطباء المشفى العسكري -حسب الطبيب المتحدر من قلعة الحصن بريف حمص الغربي- أن مجنداً أُسعف وهو مصاب برقبته ولديه انقطاع بالشريان، وأدخل إلى غرفة العمليات وتولى علاجه طبيب من قرية "قلب لوزة" بإدلب يدعى "نواف القصاب" أخصائي جراحة أوعية وهو مجند وليس متطوعاً، وكان المصاب ينزف بشدة، فطلب من الكادر التمريضي الدخول لمساعدته، لأن المصاب مجند تابع للنظام، فما كان من رئيس التمريض إلا أن قال إنه مجند ولكنه من الخالدية، وأضاف بنبرة طائفية :"بعد أن نعالجه سيصبح ضدنا" واستدرك د. وهبي" أن الطبيب القصاب حاول إجراء العمل الجراحي بمساعدتي ولكن الإصابة الشريانية والنزف الشديد في رقبة المصاب أديا إلى مفارقته الحياة".
وأكد محدثنا أن هناك أوامر عليا كانت ترد بخصوص السماح للكوادر الطبية من ممرضين وأطباء بفعل ما يريدون مع المصابين، بما في ذلك التصفية المباشرة. ومن الأطباء الذين كانوا يعطون الأوامر-كما يقول- طبيب ضابط أخصائي بأمراض الدم يُدعى "هيثم عثمان" من ريف مصياف وكان –حسب محدثنا- مرجعية للأطباء الآخرين والممرضين القتلة ويوجههم بما ينبغي فعله بالمصابين، وكانت كلمته أهم من كلمة مدير المشفى واعتاد الطبيب المذكور على ارتداء البدلة العسكرية وحمل سلاحه أينما حل.
وهناك الدكتور "أسامة فاخري" من طرطوس الذي كان يختص بالجراحة العظمية آنذاك، وكذلك الطبيب "علي حسن" الذي ظهر في صورة مع أسماء الأسد في مشفى المزة العسكري بدمشق مؤخراً، وكان يقوم بإطفاء السجائر في جسد المعتقلين، وتوجيه الضربات والركلات لأنحاء مختلفة من أجسادهم.
عندما لم يعد د. هبي يتحمل ما يشاهده ويعاينه يومياً من تصرفات غير إنسانية وطغيان وإجرام في المشفى العسكري طلب نقله إلى قسم الكلية والجراحة بمشفى "ابن النفيس" في دمشق فتمت الموافقة، وفوجئ بعد أيام بمجزرة الحصن مما دعاه للامتناع عن الذهاب إلى وظيفته الجديدة والالتحاق بالمشفى الميداني في قلعة الحصن، وفي الشهر الثالث 2014 تمكّن من الخروج إلى لبنان بعد أن فقد والده
ووالدته وشقيقين له بعد أن تم اعتقالهم من قبل حواجز شبيحة وادي النصارى، ولا يُعرف عنهم شيء إلى الآن.
2019-04-24
المصدر: زمان الوصل