اللغة العربية تتسرب من ألسنة أطفال سوريين في تركيا
سببان وراء تراجع اللغة العربية لدى الأطفال السوريين
يحضر الآلاف من الأطفال السوريين يوميًا حصصهم المدرسية في تركيا إلى جانب التلاميذ الأتراك، ويتواصلون بلغة مختلفة عن لغة آبائهم، ويتلقون موادهم المدرسية بالتركية، وهو ما أثر على عدد كبير منهم، وخاصة الصغار في العمر، ما جعلهم يفقدون القدرة تدريجيًا على استخدام اللغة العربية بسلاسة.
كان لقرار “الاندماج” الذي طبقته الحكومة التركية قبل نحو عامين الأثر الكبير على تراجع اللغة العربية عند الأطفال السوريين، خاصةً أن المدارس العربية المرخصة في تركيا هي ذات تكلفة مرتفعة بالنسبة لمعظم الأهالي، ما يضطرهم إلى تسجيل أبنائهم في المدارس الحكومية التركية المجانية.
ففي 3 من تشرين الأول من عام 2016 أصدرت وزارة التربية والتعليم التركية قرارًا نص على دمج الأطفال السوريين الخاضعين لقانون الحماية المؤقتة في المدارس التركية، ما أجبر الطلاب الذين كانوا يدرسون مناهج الحكومة السورية المؤقتة على الانتقال إلى مدارس تركية حكومية.
عملية إدماج
يصل عدد السوريين في سن التعليم ضمن تركيا إلى 976.200، بحسب تصريحات صادرة العام الماضي عن وزير التربية التركي، عصمت يلماز، من أصل 3.65 مليون سوري في تركيا، وفق إحصائيات إدارة الهجرة التركية.
ويدرس أغلب الطلاب السوريين في المدارس الحكومية التركية، بينما لا يزال قسم منهم في مراكز التعليم المؤقتة السورية التي تشرف عليها الحكومة التركية.
وكان مدير التعليم في ولاية اسطنبول، ليفينت يازجي، أشار العام الماضي في تصريح لوكالة الأناضول إلى أن عدد الطلاب السوريين في المدراس الحكومية في تركيا، بلغ 78 ألفًا و357 طالبًا، مقابل 8 آلاف و797 طالبًا في مراكز التعليم السورية المؤقتة.
وأثرت عملية الإدماج هذه سلبًا على قدرة آلاف الأطفال السوريين على كتابة وقراءة اللغة العربية وفي بعض الأحيان التحدث بها، فحتى في مراكز التعليم السورية المؤقتة يتم تعليم التركية إلى جانب العربية.
أسامة حنفي، معاون مدير في مدرسة “هالوك أوندرير” السورية المؤقتة والتي تتبع لوزارة التربية التركية في اسطنبول، قال في لقاء مع برنامج “مارِس” التدريبي إن تراجع العربية عند الأطفال السوريين في تركيا يعود لسببين رئيسين، يتمثل الأول في تقليص عدد ساعات التدريس بالعربية بنسبة 50%، بعد إشراف التربية التركية على المدارس السورية المؤقتة، حيث إن النصاب الأسبوعي من الحصص الدراسية هو 30 حصة خصص 15 منها لتعليم التركية وتركت 15 فقط لتعليم المنهاج العربي.
أما السبب الثاني فهو إلغاء التعليم باللغة العربية في المرحلة الابتدائية بشكل تدريجي حيث لن يبقى لها أثر مع نهاية العام الدراسي الحالي.
أطفال يتحدثون التركية.. والأهالي يقاومون
نجوى بركات، هي سيدة سورية مقيمة في مدينة اسطنبول، قالت لبرنامج “مارِس” التدريبي إن طفليها لا يجيدان القراءة والكتابة بالعربية، بسبب دراستهما في المدراس الحكومية التركية.
وأصافت أنها لم تستطع أن تسجلهما في المدارس العربية بسبب الكلفة العالية، ما يضطرها إلى إرسالهما إلى دورات تعليم العربية والقرآن الكريم المجانية في العطلة الصيفية.
أم ليث، المقيمية في اسطنبول مع طفليها (رفضت نشر اسمها كاملًا لأسباب شخصية)، تمتلك معاناة مشابهة لمعاناة نجوى، إذ اختارت تسجيل طفلها في مدرسة حكومية تركية مجانية، نظرًا لارتفاع أقساط المدارس العربية الخاصة.
وتعوّض أم ليث تراجع اللغة العربية عند أطفالها بالدورات الإضافية لأنها ترى أن اكتساب الطفل للغة منذ صغره سيكون أسهل بالنسبة إليه.
أما ريما الغوش، وهي أم لثلاثة أطفال، مقيمة في اسطنبول أيضًا، فترى أنه من الطبيعي أن يتراجع مستوى اللغة العربية عند أطفالها، بعد دخولهم الى المدرسة التركية، لكن الأثر سيكون على القواعد الأساسية للعربية وليس على اللغة المحكية، لأن “العربية هي الأساس في حياتهم وفي منزلهم، وهي لغة القرآن واللغة الأم أيضًا”.
اختصاصيون يتخوفون
ترى عبير النحاس، مؤسِسة دار “أزرق للنشر” التي تُعنى بالطفل والمرأة، أن درجة جهل الأطفال بالعربية وخصوصًا الأطفال الذين دخلوا في سن رياض الأطفال إلى المدارس التركية “مفاجئة”، مشيرة إلى أن “أطفالنا لا يجيدون كتابة وقراءة العربية إلا نادرًا جدًا، وأنهم يتكلمون العربية لكن دون معرفة المصطلحات”.
وتضيف النحاس لبرنامج “مارِس” التدريبي أنه يوجد أطفال يتكلمون العربية مع دمج بعض الكلمات التركية في العبارة لأنهم لا يعرفون تلك الكلمات بالعربية.
وتشير النحاس إلى أنها كانت تتوقع هذه النتائج ولكن ليس بهذه السرعة إنما بعد أجيال، لافتةً إلى أن الطفل الذي لا يجيد قراءة العربية لن يتمكن من التعرف على تاريخه وجغرافية بلده.
وتوافق الباحثة والمتخصصة في أدب الأطفال، غفران ريحان، رأي عبير النحاس، مؤكدةً أن اندماج الطلاب السوريين في المدارس التركية أثر على لغتهم العربية سلبًا، بسبب عدم ممارستها بشكل أكاديمي واعتمادهم على اللغة التركية في المنزل، وهذا الأمر يضعف العربية بالتقادم.
وتضيف أن مستوى اللغة العربية لا بأس به حاليًا عند الأطفال، أما بعد نحو عشر سنوات فمن الممكن أن نجدها بدأت تضعف جيلًا بعد جيل، وهذا بالنسبة للأهل الذين لا يولون الاهتمام الكافي بالعربية لأطفالهم لتدارك هذا التأثير.
تدارك الخطر
يرى أسامة حنفي، معاون مدير مدرسة “هالوك أوندرير”، أن هناك حلولًا كثيرة لتفادي هذا التراجع في مستوى العربية لدى الأطفال، من خلال التنويه إلى الدورات التي يقوم بها مجموعة من الأساتذة تستهدف طلاب المرحلة الابتدائية خاصة والذين يدرسون في مدارس تركية.
وأشار إلى ضرورة زراعة حب العربية عند الأطفال ابتداءً من عمر ثلاث سنوات، من خلال إرسالهم إلى روضات عربية لمدة ثلاث سنوات تكون كفيلة بتعليمهم القدر الكافي من أساسيات اللغة مع متابعة الأهل بعد انتهاء تلك السنوات.
وقال إنه توجد مبادرة من قبل المعلمين السوريين بإنشاء دورات تدريبية لتعليم أساسيات العربية لذوي الدخل المحدود.
كما اقترحت الباحثة والمتخصصة في أدب الأطفال، غفران ريحان، في لقاء مع برنامج “مارِس” التدريبي حلولًا لظاهرة تراجع اللغة العربية عند الأطفال السوريين، فعلى الصعيد الأسري يمكن للعائلة تقديم الكثير من الخطوات التي تساعد الطفل للمحافظة على العربية، مثل التحدث بالعربية الفصحى في المنزل من حين لآخر، وقراءة القصص، ومشاهدة البرامج الكرتونية التي تعتمد على العربية السليمة.
ونصحت الأهل بتشجيع الطفل على الكتابة والتعبير، وتحبيب الطفل بالعربية عن طريق بعض الأناشيد وأغاني الأطفال والأشعار، وتحفيظهم القرآن الكريم لوقعه الخاص في نفس الطفل.
أما على الصعيد المجتمعي، فتقترح ريحان توفير سبل تعليم العربية للأطفال بالشكل الصحيح (معاهد، دور، مدارس) إما مجانًا أو بأجور رمزية، إضافة إلى تحبيب الطفل بالعربية من خلال الفعاليات والمسرحيات، ومسابقات القرآن والشعر، وإصدار المجلات والقصص والكتيبات الصغيرة.
رنيم باكير
2019-04-08
المصدر: عنب بلدي