جمهور كان يحبس أنفاسه "من أجل سما" السورية وسط مشاهد القتل والتدمير
تشارك الصحافية والمخرجة السورية وعد الخطيب، إلى جانب المخرج البريطاني إدوار واتس، بالفيلم الوثائقي "من أجل سما" في مهرجان كان السينمائي، ضمن فئة العروض خارج المسابقة الرسمية. وأظهر الشريط الصادم الموت والدمار وهو يفتك بمدينة حلب أثناء تعرضها للقصف من قبل قوات النظام والطيران الروسي، وسط دموع وصراخ الأطفال والنساء.
دشنت السورية وعد الخطيب، مخرجة الفيلم الوثائقي "من أجل سما"، ظهورها على السجادة الحمراء في مهرجان كان السينمائي بعبارة قوية، حملتها في لافتة مع زوجها حمزة، المشارك معها في الشريط الوثائقي، والمخرج البريطاني إدوار واتس الذي قاسمها الإخراج، تقول: "توقفوا عن قصف المستشفيات".
وتدور أحداث الفيلم، الذي قدم ضمن عروض خارج المسابقة الرسمية، في 95 دقيقة، كانت غالبيتها ملطخة بدماء الأبرياء من أطفال وشيوخ ونساء، والتي صورت خلال خمس سنوات ابتداء من انطلاق الانتفاضة السورية في حلب، إلى أن تحولت إلى تعذيب وقتل للناشطين كما تظهر ذلك مشاهد من الفيلم.
كانت أولى مشاهد الرعب تلك المرتكبة من قوات النظام إثر انتفاضة عارمة، كانت نواتها الأولى في جامعة حلب، حيث تدخلت بعنف شرس، وقامت باعتقالات واسعة، لكن الخارج من سجون هذا النظام كان مولودا والداخل إليها مفقودا، حيث أظهر الفيلم جثث قتلى لمعتقلين معروضة في الشارع العام.
مشاهد الدم والدمار
بصور صادمة أظهرت وعد الخطيب للعالم الواقع المرير لسكان حلب في أوج قصف قوات النظام والطيران الروسي للمدينة. ونقلت الصحافية والمخرجة السورية جزءا دام من الحياة اليومية للحلبيين. وإضافة للصورة، استخدمت الخطيب أسلوب السرد بنبرة حزينة، لتستعرض أمام المشاهد ما عاناه ويعانيه الشعب السوري من ويلات.
و"سما"، عنوان الفيلم، ما هي إلا ابنتها الأولى التي ولدت في غضون الحرب والدمار، والتي كانت ثمرة حب مع الطبيب حمزة، الشاب الذي تطوع لمعالجة المصابين، وكان وراء إنشاء مستشفى إثر تعرض بقية المستشفيات للخراب. وجعلت المخرجة من هذا المستشفى نقطة ارتكاز في عملها، أظهرت من خلاله مأساة شعب ليس في حلب فقط وإنما في سوريا ككل.
ورغم كل هذه الأوضاع قررت هي وزوجها البقاء في حلب على أمل أن يتغير الوضع يوما نحو الحرية. لكن هذا الأمل طال أمده، ولم تزده الأيام المتعاقبة إلا هشاشة، ما كان يعرضها لنوع من اليأس وهي تعبر عن أسفها لطفلتها سما، في بعض المشاهد من الفيلم، على أنها أخطأت بحقها عندما أتت بها إلى هذا العالم.
لحظات فرح في جحيم الحرب
في ظل هذه الأوضاع، من البديهي أن لحظات الفرح تكون قليلة جدا إن لم تكن منعدمة. إلا أن الخطيب تعمدت دمج جرعات من الابتهاج في عملها، للتنفيس عن المشاهد من صور القصف والدم والدمار، وعادت لأجل ذلك إلى حياتها الخاصة كحفل زفافها من الطبيب حمزة، ولبعض اللحظات الحميمية التي كانت تتقاسمها مع زوجها وابنتها.
كما أنها جلبت القليل من أجواء السعادة لفلمها من خلال بيت أسرة قريبة منها، قالت عنها أنها تملك الكثير من الشجاعة، ومن الأسر القليلة التي قررت البقاء في حلب، حيث يظهر الوالدان في الشريط يمرحان مع طفليهما في مناسبات متعددة، فيما ظلت ربة البيت تحمل ابتسامة دائمة لم تنل الحرب منها، إلا أن طفلها كان يعيش معاناة بادية على محياه.
"لا أريد مغادرة حلب"، يقول هذا الطفل مذرفا الدموع أمام الكاميرا التي كان يحاول أن يتحاشاها، رغم أنه فقد الكثير من الأصدقاء جراء الحرب والدمار. وعندما استفسرته صاحبة الفيلم عن نظرته لهؤلاء الذين ودعهم يوما وفضلوا الهروب لمناطق آمنة، قال بنبرة طفولية: "أسامحهم جميعا، رغم أنهم تركوني وحيدا".
لكن أسرة هذا الطفل كانت مرغمة يوما على مغادرة المدينة، وذلك عندما بدأت قوات النظام تكسب المعارك في أحيائها. خيار الفرار بقي المخرج الوحيد من هكذا وضع. ولم يكن أمام وجد وأسرتها أيضا إلا توديع منزلها للتوجه إلى منطقة آمنة في إطار اتفاق بين دمشق والأمم المتحدة. ولم يتبق من حلب بالنسبة لها إلا الصور، التي تعيدها لمدينتها بذكريات أيام الانتفاضة الحالمة ثم الحرب الدموية.
الفيلم الوثيقة
أرادت وعد الخطيب أن تصور هذا الفيلم الوثائقي لابنتها سما، كما أكدت ذلك داخل الفيلم، لكن هو في الوقت نفسه رسالة مدوية للعالم برمته لما حصل في حلب، القلب النابض للاقتصاد السوري سابقا، وبقية المدن السورية الأخرى من تقتيل ودمار.
وانفتاح مهرجان كان على السينما السورية متواصل منذ سنوات، حيث شارك في المهرجان مخرجون سوريون بأفلام، تروي في مجملها معاناة السوريين، التي اشتدت أكثر مع ظروف الحرب. ومن بين هذه الأفلام هناك "قماشتي المفضلة" الذي شاركت به المخرجة غايا جيجي في مهرجان كان في دورته الأخيرة ضمن فئة "نظرة ما".
"من أجل سما" وثيقة مهمة أمام القضاء الدولي، تظهر فظاعة الجرائم المرتكبة في حلب وباقي المناطق السورية. لقد استطاعت الصحافية والمخرجة وعد الخطيب أن توثق هذه الجرائم، وتظهر للعالم كيف تحولت حلب من مدينة جميلة لآلة للقتل والتدمير.
2019-05-17
المصدر: FRANCE 24