“التعليم عن بعد” حل مؤقت في المدارس القريبة من خطوط التماس في ادلب
ألقت ظروف الحرب على مدار عقد من الزمن بظلالها على مختلف قطاعات الحياة، لا سيما قطاع التعليم، الذي تضرر بشكل بالغ جراء قصف المدارس وقتل الطلاب والكوادر التعليمية والإدارية، علاوة على انتشار الفقر الذي جعل الأطفال يدفعون فاتورة كبيرة، ويتهدد مستقبلهم .
وتتزايد مخاوف الأهالي مع استمرار التصعيد العسكري من قبل قوات الأسد والميليشيات الايرانية المساندة له، بإرسال أطفالهم إلى المدارس خشية تعرضهم للقصف، خاصة في المناطق القريبة من خطوط التماس في أرياف إدلب وحلب.
فلم تتوقف عمليات القصف على المراكز الحيوية في مدن وبلدات إدلب وسرمين والنيرب وآفس ومعارة النعسان ومنطقة جبل الزاوية بريف إدلب، طيلة الأشهر الثلاث الماضية، إضافة لمناطق الأتارب وكفر نوران والأبزمو ودارة عزة بريف حلب الغربي.
وتسبب القصف وفق الدفاع المدني السوري بمقتل 162 شخصاً، بينهم 46 طفلاً و23 شخصاً، وإصابة 684 آخرين، بينهم 218 طفلًا و96 امرأة، بسبب هجمات قوات الأسد وحليفه الروسي، خلال العام 2023، واستجابت فرق الدفاع المدني منذ بداية 2023 وحتى تاريخ 24 كانون الأول من العام نفسه لأكثر من 1276 هجوماً من قوات الأسد وروسيا والميليشيات الموالية لهم.
القصف على المدارس
تتعرض المدارس في مناطق شمال غرب سورية لاستهداف متكرر من قبل قوات الأسد وحلفائه، ويشكل هذا القصف تهديداً لحياة الطلاب والكوادر التدريسية، ويهدد سير العملية التعليمية برمتها التي تجري في ظروف غير طبيعية، وإجراءات طوارئ منذ سنوات في المنطقة.
هذه المخاطر دفعت الجهات المسؤولة على الملف التعليمي في إدلب وريف حلب الغربي إلى اتخاذ تدابير وقائية لتخفيف آثار عمليات القصف على الطلاب في المدرس، فقد أعلنت مديرية التربية والتعليم في إدلب تعليق دوام في مدارس مدينة إدلب، وسرمين والنيرب وتفتناز وشلّخ وآفس ومعرة مصرين، بريف إدلب الشرقي في الأول من كانون الثاني الحالي وليوم واحد.
إلا أن التعليق استمر في كل من النيرب وسرمين وآفس، نتيجة لاستهداف قوات الأسد المتكررة للمدنيين في هذه البلدات وما حولها.
إجراءات وتدابير وقائية
قال رئيس المجلس المحلي في بلدة النيرب شرقي إدلب عبد القادر الدج لوكالة سنا، إن المنطقة تتعرض لقصف شبه يومي، يجعل حياة الناس مهددة بأية لحظة، وقد عمل المسؤولون التعليميون في المنطقة على تنبيه المدرسين لاتخاذ إجراءات وتدابير في حال وجود خطر يهدد الطلاب والكوادر التعليمية في المدارس.
وأوضح الدج، أن القصف إذا كان مباشراً، يجب ألا يغادر الطلاب المدرسة، بل يذهبون إلى الطوابق السفلى، ويحق للمدير والإدارة بالمدرسة في حال حدوث قصف، اتخاذ القرارات المناسبة، ويتعامل المعلم أو الإداري مع الحالة بحذر وتروٍّ ومن دون انفعال وبأعصاب مضبوطة، وذلك كيلا يخاف الطلاب ويبقوا ضمن حالة من الهدوء لتسهيل نقلهم وحمايتهم.
وأشار الدج إلى أنه من الواجب توعية الطلاب لمعرفة كيفية التعامل مع مثل هذه الظروف، كيلا يخافوا، كما يتخذ الطلاب في هذه الحال وضعية الانبطاح على الأرض لتقليل حجم الأضرار أو الإصابات التي قد تحدث خلال أوقات القصف.
وأضاف أنه تم تطبيق التعليم عن بعد في الأسبوع الحالي في كل من النيرب وسرمين وآفس، على أن يستمر بنظامه الاعتيادي مع بداية الأسبوع القادم، الذي يتزامن مع الاختبارات للطلاب في المدارس، مشيراً إلى أن هذه المناطق تتعرض لقصف شبه يومي، يجعل الطلاب والأهالي في حالة خوف دائم.
“ما زلنا في حالة طوارئ”
وفق الخبير في المجال التعليمي الدكتور قتيبة بشير، فإنه يجب أن يتدرب الطلاب والكوادر التعليمية على خطط إخلاء عند حدوث الخطر، واتباع إجراءات الأمن والسلامة، لإخراج الطلاب من موقع الخطر إلى منطقة أكثر أمناً، حيث يتم صرف الطلاب بشكل منتظم، ومتابعتهم للتأكد من وصولهم لمنازلهم.
وقال في حديثه لوكالة سنا، إن المدارس في المناطق القريبة من خطوط التماس مع قوات الأسد دائماً تعاني من الدوام المتقطع، وهذا يؤثر على تعليم الأطفال الذين وإن حضروا الدروس فإنهم سيبقون متوترين وخائفين من القصف، وخاصة أثناء استهداف مناطق محيطة أو مع تحليق طائرات الاستطلاع.
وعن الحلول المؤقتة في حال استمرار القصف يرى الدكتور قتيبة، أن يتم تطبيق “التعليم عن بعد”، أو اعتماد مبدأ النقاط التعليمية الصغيرة، مما يقلل تجمع الطلاب في مكان واحد وبالتالي يقلل الضرر.
ونبّه بشير إلى ضرورة أن يكون هناك مرونة في ملف التعليم في الشمال السوري، فمديريات التربية لا تقبل بوجود شعب في الحارات أو في المخيمات العشوائية، ما يؤدي إلى حرمان أطفال هذه المخيمات من التعليم بسبب عدم سماح التربية بافتتاح شعبة داخل المخيم تتبع لمدرسة مجاورة، أو نتيجة مخاوف أهالي المخيم من ذهاب أطفالهم لمسافة بعيدة إلى المدارس لتلقي العلم، مشيراً إلى الحاجة الماسة لنظام التعليم اللامركزي والتعليم التعويضي، لتعليم الأطفال الأساسيات، فنحن “ما زلنا في حالة طوارئ”.
وأضاف، أن الأطفال يتأخرون عادة في تعليمهم نتيجة الانقطاع عن تلقي الدروس، ويسبب هذا تراجعهم تعليمياً، مشيراً إلى أنه بدأ الحديث عن إمكانية تطبيق التعليم عن بعد كما حصل في أزمة كورونا في2021 في حال استمرار عمليات القصف.
وبحسب الدفاع المدني السوري، بلغت استهدافات قوات الأسد وروسيا للمدارس والمنشآت التعليمية ذروتها خلال شهر تشرين الأول من عام 2023، بواقع 15 هجوماً على المدارس، من بينها استهداف مدرسة حسين حج عبود في مدينة سرمين بتاريخ 3 تشرين الأول، ومدرسة نجيب الدقس في قرية البارة، ومدرسة ابن خلدون في بلدة بنش، وكلاهما في 5 تشرين الأول، ومدرسة رابعة في مدينة جسر الشغور في 7 تشرين الأول، ومدرسة في بلدة الأبزمو في 8 من الشهر نفسه.
المصدر: وكالة سنا