العتاب تمسّكٌ أم نفور؟
فراس جمعة - صدى
من الممكن أن ننظر إلى العتاب بأنه أسلوب إيجابي يهدف الى تنقية القلب وصفائه وطيًّا للزعل وتراكماته تجاه من نحب سواء أكان المقصود (حبيباً - زوجاً – أهلاً – صديقاً) وبذلك يكون أداة فعالة لازدياد العلاقة وتماسكها وترابطها.
يمكننا أن ننظر للعتاب إذا شئنا بأنه أسلوبٌ لطيف وحديثٌ رقيقٌ يجعل من المعاتب متيّمًا بمن يعاتبه ولا يخرج عن محبته ولا يجنح للإعراض عنه فهو يسعى للإصلاح بالقول وبالفعل .
ويمكننا بأن ننظر للعتاب إن أحببنا بأنه لوم وتجريح وبعدٌ ونسيان و جحودٌ وتغير و تراجعٌ واستسلام وربما يصبح مستنقعاً من الفجوات وجبلاً من الخلافات.
العتاب في القرآن الكريم والسنة النبوية
ربما يظن البعض بأن العتاب لوم وتجريح وإظهار عيوب الطرف الآخر، ولكن عندما نتعرف على بعض الرسائل الربانية الموجهة لنبيه الكريم سنتعلم دروساّ حياتيه تساعدنا في تحسين طرق التواصل وحل الخلافات
لقد جاء العتاب الرباني بصيغة لطيفة لنبيه الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في سبعة مواضع من القرآن الكريم سنكتفي بذكر بعضها فقط دون شرح لأن ذلك يحتاج إلى مقالٍ مفصل.
الموضع الأول:
﴿وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى * أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى * أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى * فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى * وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى﴾ [عَبَس: 3 - 7]
عندما جاءه عبد الله بن أم مكتوم، وكان رجلًا أعمى يريد أن يستفسر منه عن شيء في العبادات فتولى عنه النبي ليجادل المشركين حتى يؤمنوا بما نزل عليه من الحق.
الموضع الثاني:
﴿مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ﴾] الانفال:67[
نزلت الآية في أسرى بدر
الموضع الثالث:
﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا﴾] الكهف: 23[
وذلك بعد حادثة سؤال قريش له بتلقين من اليهود أسئلةً تعجيزية، وقال: (ائتوني غدًا، وسأُخبركم به)، ونسِي أن يقول: إن شاء الله
الموضع الرابع:
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ﴾] التحريم: 1[
وذلك بعد الإذن للمنافقين بالتخلف يوم العسرة، وقدّم الله تعالى لفظ العفو قبل ذكر العتاب تكريمًا لرسول الله.
فعتاب الله عز وجل لنبيه الكريم، عتابٌ من الحبيب للحبيب، فليس معنى العتاب بأنه دليل على الغلط
قيل في العتاب :
• بأنه جزء من المحبة فمن نعاتبهم هم من نريد الاحتفاظ بهم .
• اهتمام زائد فمن لا يعاتبك لا يحبك، والصمت بداية الانسحاب .
• العتاب حدائق المتحابين وثمار المتوادين .
• أعتابك لنكون الأفضل لا لنرحل ونبتعد ، لا لنفترق ، لا لأن أظهر سلبياتك وأمجد إيجابياتي .
• إذا عاتبك أحدهم بلهفةٍ وشوقٍ كبير لا تقاطعه فوراء عتابه حبٌ عميق، ولا تكن كمن يكسر ساعة المنبه، لا ذنب لها إلا أنها أيقظته .
• أسوء عتاب هو عتاب التجاهل، يأتي على هيئة نظرات طويلة غير مبالية وانشغال دائم، ثم تموت العلاقة وتنطفئ الرغبة نتيجة للكتمان.
• في مقولة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول فيها (لا تقطع أخاك على ارتياب، ولا تهجر دون استعتاب)
يمكننا القول:
بأن العتاب هو صابون القلوب ، وهو زيت العلاقة ومصباحها ، وهدفه صرف الذهن عن ذاك الموقف المزعج خوفا من فراق من نحب.