صناعة القش.. تراث يقاوم الاندثار في إدلب
تجلس الحاجة أم خالد في فناء منزلها بقرية عبريتا شمال إدلب أمام كومة من القش، تفرزها بحسب الطول والسماكة وتضعها في وعاء مليء بالماء على أمل استعمالها في اليوم التالي لصناعة أطباق القش.
ورثت أم خالد هذه العمل من والدتها، وتعمل به منذ خمسين عاماً رغم إقبال الزبائن الضعيف على منتجات القش، إذ بات اقتناؤها بهدف الزينة بعد أن كان للاستعمالات اليومية.
تجمع أم خالد عيدان القش من بيادر القمح والشعير في فترة الحصاد، وتحتفظ بها ليتسنى لها صناعة الأطباق في طوال أيام السنة.
تشتهر قرية عبريتا بنسيج القش، إذ لا يخلو منزل من منازل القرية من منتجات القش والقصب وغالبية أهالي القرية توارثوا تلك المهنة عن أهاليهم وزينوا منازلهم بأعمالهم التي تنافسوا في إنتاجها، فهي مهنة تتطلب المهارة والدقة والإتقان، بحسب من تحدثنا معهم.
تمر صناعة القش بمراحل، تبدأ بجمع القش ثم فرزه ونقعه بالماء لمدة لا تقل عن ثمان ساعات، ثم يجفف ويوضع ضمن أكياس مغلقة تحت أشعة الشمس أو في مكان دافئ ليكتسب الليونة التي تمنعه من الكسر أثناء النسج.
تجمع أم خالد خيوط القش الطرية ضمن باقات قطرها لا يتجاوز 1،5 سم لتشكل الحشوة، وتبدأ بلفها بعيدان أخرى من القش الملون، والتي وصلت ببعضها البعض لتشكل خيوطاً طويلة، في حين تستعيض أحياناً بخيوط من البلاستك.
باستعمال مخرز حديدي أو مسلة تنسج لفافات القش وتضمها بشكل أفقي أو عمودي بحسب الإناء الذي ترغب بصناعته، وتخلل نسيجها بعيدان من القش الملون لتزين عملها بإحدى الرسومات الهندسية ما يضفي على الوعاء جمالاً إضافياً.
تستمر أم خالد بسحب تلك الخيوط حتى إنهاء تكوين الأداة المراد تصنيعها، ويتراوح الوقت اللازم لصناعة القطعة بين يوم وثلاثة أيام بحسب حجمها وشكلها.
تتنوع الأدوات التي يتم إنتاجها من القش والقصب ولكل منها استخداماتها الخاصة، مثل طبق القش و يبدأ تشكيله بعد حزم القش ليصبح أشبه بحبل قطره 1،5 سم ويبدأ تكوينها عبر تشكيل قرص دائري ولف حبل القش على هذا القرص ونسجه بشكل متين حيث تتوسع الدائرة حتى تصل إلى الحجم المطلوب.
يتم توصيل تلك الدوائر مع بعضها البعض بواسطة خيوط القش المتينة عن طريق المخرز حتى تصبح على شكل دائرة مستوية بقطر 80 سم أو أكثر وذلك بحسب رغبة الزبون، وعند الانتهاء من تشكيلها تتم إحاطة الدوائر الثلاث الأخيرة بقطعة من القماش لإكسابها المتانة وضمان تماسكها ومنع أطرافها من التآكل نتيجة الاحتكاك ومنعها من التلف مع الزمن، وتستخدم أطباق القش لتقديم الطعام وخاصة خبز التنور.
أما الشكل الثاني من أشكال صناعة القش فهو الوعاء أو القفة وتشبه صناعتها صناعة صدر القش، حيث يتم تشكيل قاعدة دائرية بقطر 25 سم ويبدأ تشكيل القش بشكل دائري على شكل مخروط قاعدته الصغيرة نحو الأسفل، ويستمر النسيج حتى ارتفاع محدد ليتم اتباع نفس الطريقة في ختم جزئها العلوي بالقماش، وتستخدم لجمع الأواني المنزلية أو المواد التموينية من دقيق أو محاصيل أو غيرها.
أما القرطل فتتم صناعته من قشور القصب بعد نقعها ليوم كامل في الماء حتى تكتسب ليونتها، ليتم ثنيها وشبكها حيث تبدأ أم خالد بتشكيل قاعدة بقطر 30 سم ومن ثم يتم بناء جدار على استقامة واحدة على ارتفاع 60 سم، وعند الانتهاء من نسج عيدان القصب، يتم ربط أحد الطرفين بقوس منسوج من قشور القصب ليشكل حمالة للقرطل ويستخدم لجمع الثمار والبيض بالإضافة لحمل الأدوات الصغيرة.
تتراوح أسعار تلك المنتجات بين ثلاثة إلى سبعة آلاف ليرة سورية للقطعة الواحدة وذلك بحسب نوعها وحجمها ونوع المادة المستخدمة في إنشائها.
تراجعت صناعة القش والقصب نتيجة الانتشار الواسع للأواني البلاستيكية والمعدنية والزجاجية، إلا أنها ما تزال مهنة تحافظ على مكانتها في عدد من قرى إدلب بصفتها من الصناعات التراثية، التي يتفاخر الأهالي بتزيين جدران منازلهم بها.