الحظر الكامل في تركيا يرهق السوريين ويُشعل الخلافات العائلية
انعكس الحظر الكامل المعمول به في تركيا على اللاجئين السوريين بشكل سلبي إذا باتوا مجبرين على الجلوس في منازلهم، وخسر كثير منهم مصدر دخله بشكل نهائي نتيجة فصلهم من عملهم، أو بشكل مؤقت لحين انتهاء الحظر الذي بدأ في التاسع والعشرين من نيسان وسيستمر إلى السابع عشر من أيار.
عمال المياومة المتضرر الأكبر
يعمل معظم السوريين في تركيا وفق نظام المياومة لتأمين قوت يومهم، لكن مع إعلان حظر التجول لم يعد بإمكانهم توفير الاحتياجات الأساسية من طعام وشراب وسكن ولباس.
يقول أبو نديم الخلف “لاجئ سوري مقيم في منطقة “بغجلار” في اسطنبول”: ” إن قرار الحظر ألحق ضرراً بكثيرٍ من السوريين، خاصةً من يعملون وفق نظام المياومة، إذ لا تملك هذه الشرحة إذن عمل أو إجازة أو ضماناً صحياً، ويتقاضون رواتبهم وفق أيام العمل التي أنجزوها، ما دفع أرباب عمل لاستغلال هذه الناحية وفصل بعضهم بشكل نهائي، أو منحهم إجازات بلا راتب ريثما ينتهي الحظر”.
يضيف الخلف: “إذن العمل يحمي اللاجئ السوري ويضمن له حقوقه، ما يدفع أرباب عمل للتهرب من منحه للعامل السوري حتى يتثنى لهم التحكم به وطرده إذا اعترض على أي قرار، كما يرفض صاحب العمل دفع رسوم التأمين الصحي للدولة عن العمال السوريين ما يحرمهم من التأمين الصحي، كما يحرم العامل السوري من الإجازات السنوية مدفوعة الأجر، ما يجعله عرضة لخسارة مصدر رزقه مع كل حظر تجول تفرضه الدولة”.
تعرض كثير من أصحاب الورشات والمصانع، لخسائر عقب تفشي فيروس كورونا، بسبب عدم قدرتهم على تصدير منتجاتهم إلى باقي الدول، وتعطل أعمالهم مع فرض الحظر من قبل الحكومة التركية بين الفينة والأخرى، فكان العمال السوريون هم “كبش الفدا” بحسب تعبير من التقيناهم، حيث يقوم صاحب العمل بطرد العمال السوريين للتخلص من رواتبهم وتخفيف خسائره، بينما لا يستطيع طرد العمال الأتراك كونهم يملكون أذن عمل.
يعمل أحمد العبسي “وهو أحد السوريين المتضررين من قرار الحظر” في مجال الديكورات بمدينة انطاكية، ويتفق مع الزبائن على أجرة يومية مقابل إنجاز العمل المطلوب، لكن قرار الحظر أُجبره على الجلوس في المنزل ما كبّده خسائر كبيرة.
يقول العبسي: “اتفقت مع أكثر من زبون على القيام بأعمال الديكور والطلاء في منازلهم، لكن مع بدء حظر التجوال فقدت أغلب زبائني الذين اتفقت معهم، فكل واحد يحتاج لإنجاز عمله بأسرع وقت، ولم يقتصر الأمر على خسارة الأجرة، بل خسرت عشرة آلاف ليرة تركية، ثمن المعدات التي اشتريتها للعمل، حيث جلبت تلك المعدات وفق القياسات والألوان المطلوبة، بمعنى أني لا أستطيع استعمالها لزبونٍ آخر”.
يتابع العبسي: “لا أدخر أي مبلغٍ من المال، وما أتقاضاه من العمل بالكاد يكفي لدفع أجرة المنزل والفواتير وتأمين أدنى المستلزمات الأساسية، ومع توقف عملي بسبب الحظر، لم أعد أملك أي مبلغ ولا أعرف كي سأدفع أجرة البيت بعد عدة أيام”.
تضرر السوريين لم يقتصر على الحظر المفروض مؤخراً والذي يستمر لعشرين يوماً، بل هناك كثير من السوريين خسروا عملهم بسبب الإجراءات الاحترازية التي فرضتها الحكومة التركية مسبقاً، وأبرزها إغلاق المطاعم أمام الزبائن، واقتصار البيع على الطلب الخارجي فقط، وبالتالي تم الاستغناء عن جميع العمال السوريين الذين كانوا يعملون لخدمة الزبائن ضمن المطعم.
الجلوس في البيت يُشعل الخلافات
قرار حظر التجوال كان باباً للخلافات العائلية، حيث زادت الشجارات بين الأزواج، تقول صفاء صطوف “لاجئة سورية تقيم في حي اسنلار في اسطنبول: “حين تم الإعلان عن قرار الحظر الكامل، أصيب زوجي بحالة غضبٍ واكتئاب، وأصبح يُفرّغ غضبه بالصراخ في وجهي، فهو معتادٌ على العمل، ولا يتحمّل الجلوس طوال اليوم في المنزل”.
وأضافت صفاء “ما زاد غضب زوجي أكثر أن الحظر جاء في شهر رمضان، والذي يكون فيه كثير من الأشخاص في الأحوال الطبيعية بمزاجٍ عصبي، وتزامن اليوم مع فقدانٍ للعمل ومصدر الدخل وجلوسٍ طويل في البيت!”
وتابعت صفاء: “تعرّضت ابنة عمي التي تقيم في نفس منطقتي للضرب من قبل زوجها بعد أن نشب خلاف بينهما على قائمة الطلبات التي أصرت الزوجة على إحضارها وتمنع الزوج نتيجة ضيق أحواله المادية، ولو كان عمل زوجها مستمراً لما وصل بهم الخلاف إلى هذا الحد”.
اعتاد أحمد درة لاجئ سوري يقيم في منطقة الفاتح بإسطنبول، على الخروج من منزله للعمل أو لقضاء الوقت مع الأصدقاء، لكن قرار الحظر أجبره على الجلوس في المنزل.
يقول: “لا أعرف كيف سأقضي الأسابيع الثلاثة في البيت، فقد ضجرت من ضجيج أولادي منذ اليوم الأول، وأقضي ساعات النهار بالصراخ عليهم وزجرهم وضربهم أحياناً”.
من جهتها قالت ياسمين علو “استشارية نفسية”: “إن عجز الرجل عن تأمين مستلزماته الأساسية، ووجوده في البيت ضمن بيئة لم يعتد عليها دائماً، كأصوات الأبناء أو وجود الزوجة معه طوال 24 ساعة، يُسبّب له ضغوطاتٍ نفسية، يُعبّر عنها بالعصبية، وما يتبعها من سلوكيات صراخ وتحطيم الأثاث، وأحياناً ضرب زوجته وأطفاله”.
وأوضحت ياسمين “الشيء الأهم لتجنب الخلافات خلال الحجر المنزلي، هو أن يُخصص كل طرف وقتاً لشريكه وأن يتبادلا النقاشات باحترام، ويسترجعا ذكريات الماضي، فحظر التجوال أصبح أمر واقع ولا فائدة من الانزعاج والتوتر”.
كما يمكن للزوجين أن يقوما بنشاطاتٍ مشتركة، كتحضير طعام الإفطار أو الحلوى، أو استغلال هذا الوقت في العبادات خلال رمضان، أو يتعلما اللغة التركية أو أي شيء آخر عبر اليوتيوب، كما يجب على الزوجة تجنب إزعاج زوجها بطلباتٍ كثيرة، وألا تطلب منه أن يخرج أكثر من مرة في اليوم لشراء لوازم البيت.
باب للنصب والاحتيال
أعلنت الحكومة التركية عن مساعداتٍ مالية للمتضررين من قيود “كوفيد 19″، لكن ذلك لم يشمل السوريين، بل خصّ العمال الأتراك، على أن يتم منحهم نحو ألف ومئتي ليرة تركية.
واستغل “تجار الأزمات” حاجة السوريين إلى المال بسبب توقف عملهم مع بدء الحظر الكامل في تركيا، وبدؤوا بنشر أخبار على مواقع التواصل الاجتماعي يتحدثون فيها عن وجود منح مالية من الحكومة التركية للسوريين، وأنه يمكنهم الحصول عليها عبر الدخول إلى الرابط الموجود وتسجيل البيانات المطلوبة.
وقال الصحفي المعني بالشأن التركي أحمد خورشيد: “ليس هناك قرار جديد بشأن منحة مالية، فالمساعدات المقدمة للسوريين موجودة منذ دخولهم لتركيا وتُقدّم من الاتحاد الأوروبي، لكن مع ظهور كورونا في تركيا العام الماضي وفرض قيود مشددة، أعلنت المديرية العامة للبريد التركي (PTT)، عن فتح رابط للتسجيل للحصول على ألف ليرة للأسر السورية الفقيرة”.
وأضاف خورشيد “يجب الدخول إلى الرابط من موقع (PTT)، وعدم فتح أي رابط على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث أن مستغلي الأزمات يضعون روابط وهمية لدفع الناس للدخول إلى مواقعهم بغية زيادة أعداد رواد الموقع، أو ربما تكون روابط اختراق لهواتفهم، أو أسلوب احتيال للحصول على بياناتهم الشخصية ومعلومات حسابهم البنكي”.
يجب أن تتوفر شروط معينة في الشخص المتقدم للحصول على المنحة المالية الخاصة بكورونا، كدرجة الفقر وعدد الأولاد وطبيعة المسكن وغيرها، علماً أن من يُوافَق على طلبه تصله رسالة باللغة العربية إلى هاتفه من (PTT) حصراً، أو يمكنه الدخول إلى (إي دولات) للتأكد، لذا يحب عدم تصديق أي رسائل أخرى تصل إلى الهواتف من أرقامٍ غريبة أو من روابط على الانترنت، تدّعي أن اسمه تمت الموافقة عليه للحصول على منحة مالية بحسب خورشيد.
كما استغل آخرون ظروف كورونا وقاموا بالتوجه إلى بيوت السوريين، والادّعاء أنهم يريدون الكشف على وضع المنزل وحالة العائلة فيه لمنحهم كرت الهلال الأحمر وتعويضات بسبب كورونا.
تقول صفاء صطوف: “إن صديقتها التي تقيم في منطقة اسنيورت باسطنبول تعرّضت لعملية احتيال، حيث طرق شخصان باب منزلها وأخبراها أنهما من الهلال الأحمر التركي ويودّان تقديم مساعدات مالية لها كتعويض بسبب كورونا، وحين فتحت لهما الباب حاولا رش بخاخ عليها لسرقة البيت، لكنها صرخت بقوة ليهرع الجيران نحوها، ما دفع السارقين للهرب بسرعة”.
الحظر يدفع سوريين للعودة
من جهة أخرى غادر سبعمئة شاب سوري الأراضي التركية إلى إدلب الأسبوع الماضي، متنازلين عن حقهم في “الحماية المؤقتة” بسبب توقف أعمالهم، عقب قرار الإغلاق الأخير للحكومة التركية في عموم الولايات، وفق مازن علوش مدير العلاقات الإعلامية في معبر باب الهوى.
وبحسب ما ذكرت عدة تقارير إعلامية، فإن عشرات الشباب السوريين، توجهوا إلى مبنى الأمنيات في منطقة “نارلجا” بولاية هاتاي، من أجل تسليم بطاقة الحماية المؤقتة والعودة الطوعية إلى سوريا، وأن كل من سلّم “الكيملك” من أجل العودة إلى بلده، هم من فئة الشباب ولم يُسجّل وجود أي عائلات بينهم، حيث عبروا باتجاه مناطق إدلب وريف حلب.
وقال أحمد درة، إن أحد أصدقائه عاد إلى سوريا، بعد أن خسر عمله عقب قرار الحظر الأخير، لكنه دخل الأراضي السورية بشكلٍ غير شرعي، كي لا يضطر لتسليم الكيملك، وبالتالي يستطيع العودة مجدداً بنفس الطريقة، في حال تحسّنت ظروف العمل في تركيا”.
وأضاف درة أن “من عاد الى سوريا مؤخراً كان لسببين، الأول سوء الواقع المعيشي، بسبب توقف أغلب الأعمال نتيجة حظر التجوال، والثاني لقضاء العيد مع ذويهم، بعدما ألغت الحكومة التركية الإجازة هذا العام بسبب كورونا كما فعلت العام الماضي”.
وأصدرت المديرية العامة للهجرة التركية، إحصائية جديدة لعدد اللاجئين السوريين على أراضيها نهاية العام الماضي، ذكرت فيها أن عددهم بلغ 3.627.481 لاجئاً سورياً، وتصدرت إسطنبول قائمة الولايات التركية من حيث عدد السوريين بـ 511.498 سورياً، ولا توجد إحصائيات رسمية دقيقة عن عدد العمال السوريين الموجودين في تركيا، لكن تشير بعض التقديرات إلى أنهم يصلون لنحو مليون، موزعين على مختلف الولايات.
المصدر : فوكس حلب