في البادية السورية: حياة محفوفة بمخاطر الألغام ونظام الأسد يستمر بعملياته الانتقامية
تشهد مناطق في البادية السورية عمليات انتقام تنفذها ميليشيات تابعة لقوات النظام بحق الأهالي وبشكل متكرر، ارتفعت وتيرتها في الآونة الأخيرة مع تنامي عمليات تنظيم داعش ضد قوات النظام، يضاف إليها انتشار الألغام والمخلفات الحربية ما يعرض المدنيين لمخاطر متكررة.
تنوعت العمليات الانتقامية بين اعتقالات تعسفية طالت عائلات كاملة مقيمة في المناطق القريبة من نقاط الهجوم الذي ينفذه عناصر داعش، وبين قصف جوي مكثف نفذته طائرات النظام وروسيا، كما حدث في قريتي الشاكوسية والرهجان في التاسع من كانون الثاني الماضي، وقالت مراصد عسكرية في مناطق المعارضة إن طائرات الاستطلاع تحلق بشكل متواصل في سماء البادية البالغة مساحتها نحو خمسة وسبعين ألف كم مربع، وتتقاسم تبعيتها الإدارية محافظات دير الزور والرقة وحلب وحماة وحمص.
أخيراً، أخذت تلك العمليات في البادية السورية نمطاً جديداً كقتل المدنيين ونهب وحرق ممتلكاتهم لغايات وصفها ناشطو المنطقة بـ “الشخصية والكيدية”، وتمارسها قوات النظام ضد مدنيين كان لأقربائهم نشاط ثوري في تلك المناطق وتم تهجيرهم إلى مناطق شمال سوريا.
ويرى من تحدثنا معهم من أهالي المنطقة أن الشبيحة المنضمين حديثاً لقوات الأسد يسعون لتأكيد ولائهم عبر تقديمهم تقارير كيدية بحق أشخاص من المنطقة بهدف إيذائهم.
سجل ناشطو المنطقة ثمان عمليات انتقامية نفذتها ميليشيات تابعة لقوات الأسد منذ مطلع العام الجاري حتى مطلع آذار، قتل فيها جميع المستهدفين دون تمييز بين رجل وامرأة أو طفل، كان آخر تلك الهجمات في الثاني من آذار الجاري واستهدفت رعاة أغنام في قرية “الذيبة” شرقي بلدة الرهجان بريف حماة الشرقي ما أدى لمقتل شاب وجرح ثلاثة ونفوق مئات الأغنام.
كما هاجمت الميلشيات الإيرانية قبل مدة منطقة رجم الصوان جنوبي بلدة خناصر بريف حلب الجنوبي، وقتل ثلاثة شبان من رعاة الأغنام، بحسب الناشط أحمد الشبلي والذي تمكن من توثيق أسماء مئة وستة شبان من رعاة الأغنام تم قتلهم منذ مطلع عام 2020 حتى اليوم.
يقول محمد الموسى ابن قرية الشاكوسية: “إن المليشيات التي تهاجم المدنيين تضم عسكريين سابقين وشباناً متخلفين عن خدمة العلم، وعناصر كانوا في صفوف المعارضة السورية وانضموا مؤخراً لقوات النظام، إضافة لميليشيات إيرانية.
تتقاسم عدة مجموعات السيطرة على ريف حماة الشرقي كميليشيات وزير الدفاع السابق في حكومة النظام فهد الفريج، ومختار قرية “الخرسان” سمعان الخرسان، إضافة إلى ميليشيات عضو مجلس الشعب السابق أحمد درويش، ومليشيات إيرانية تابعة للواء “فاطميون” وقوات دفاع وطني.
وتسبّبت الحملة العسكرية التي شنّتها قوات النظام، على مناطق ريف محافظة حماة الشرقي وريف محافظة إدلب الجنوبي الشرقي الواقعة شرقي سكة الحجاز ضد فصائل المعارضة في شهر تشرين الأول من العام 2017، بنزوح مئات الآلاف من الأهالي باتجاه الشمال السوريّ، وإفراغ بعض القرى والبلدات من سكانها بشكل كامل، مثل منطقة أثريا وقرية الصبورة والسعن، واستبدال السكان المحليين بعناصر من ميليشيات لواء القدس، وتتنشر نقاط قوات النظام في قرى الرهجان والحمرا والسروج إضافة لوجود وجود نقطة مراقبة روسية في منطقة “الطليسية” ومعسكر للفيلق الخامس.
عودة محفوفة بالمخاطر
يقول ريان الأحمد من ريف حماة الشرقي إن عدداً كبيراً من سكان الريف الشرقي عادوا إلى مناطقهم التي سيطر عليها النظام لأن تربية المواشي تعتبر مصدر رزقهم الأساسي، ولتعذر وجود المراعي الواسعة في مناطق الشمال السوري، ما تركهم أمام جملة من المخاطر كالاعتقال وتعرضهم للاستفزاز من قبل قوات النظام لإجبارهم على دفع إتاوات مقابل استثمار أراضيهم، ناهيك عن كون المنطقة غير آمنه بسبب انتشار الألغام فيها.
وتشهد المنطقة الممتدة من شرق شمال السعن حتى الرهجان وصولاً إلى أوتوستراد أثريا خناصر ومنطقة وادي العزيب انتشاراً كبيراً للألغام، ما يشكل خطراً كبيراً على أهالي المنطقة، تعود تلك الألغام لفترة المعارك السابقة بين تنظيم داعش وقوات النظام قبل ثلاث سنوات، ولم يتم وضع إشارات تحذيرية تدل على أن المنطقة خطرة ومليئة بالألغام ولم تقم قوات الأسد بأي محاولة للتخلص منها.
ونشرت صفحات موالية للنظام، اليوم، أخباراً تتحدث عن مقتل ثمانية عشر مدنياً نتيجة انفجار لغم أرضي بسيارة تقل عمال زراعيين، وبحسب نشطاء في البادية السورية بلغ عدد الشهداء منذ بداية العام الجاري نحو ثلاثين مدنياً معظمهن من النساء، وأكثر من سبعة عشر جريحاً أصيبوا نتيجة انفجار ألغام بسياراتهم أثناء تنقلهم للعمل في مزارع المنطقة أو للبحث عن الكمأة التي تشتهر فيها البادية، كان آخرها بتاريخ 27 شباط الماضي حيث قتل خمسة نساء وأصيب أحد عشر شخصاً ، بينهم إصابتين خطيرتين كانوا يستقلون سيارة نقل “هيونداي” في منطقة رسم الأحمر بريف السلمية لجمع الكمأة.
يعتبر ريف حماة الشرقي من المناطق الهامة لإمداد خطوط النظام باتجاه ريف حلب الشرقي والقواعد الإيرانية في خناصر والسفيرة، ونقطة حماية شمالية باتجاه قوات النظام المتمركزة في تدمر وأثريا وطريق خناصر ما يعزز تواجد قوات النظام في تلك المناطق والذي انعكس بشكل سلبي على حياة السكان.
المصدر : فوكس حلب