"الفراغ" طرق الموت السالكة..
نور زيدان
"تركض الدقائق خلف الأيام وتتسابق الأزمنة وتمضي الحياة ويفوز من يسعى، فالحياة لا تأبه بالفارغين"
يكمن سر حياتنا في الوقت؛ فنحن وباختصار شديد مبنيين على الوقت ، ففيه نولد ونكبر ونشيخ ونموت خلال فترة زمنية محددة بمشيئة ربانية معجزة، لامجال فيها للتلهي أو العبث او الملل ، فنحن متجهون نحو الهلاك لامحالة لذا علينا أن لا نهلك أنفسنا سلفاً بالفراغ والضياع والشتات.
من أين يأتي الفراغ ؟
يعد الفراغ من أكثر المشكلات شيوعاً حول العالم وطرقه كثيرة ومتعددة ومفاجئة ،فربما يكون بسبب البطالة أو بسبب العشوائية في التفكير والتصرف ، والقلق من الغد وتقلب المزاج ويأتي من عدم الاستقرار والاضطرابات النفسية والانشغال بما لا ينفع ولا يضر، وقد يُكتسب الفراغ نتيجة صدمات القدر المتكررة .
ولكن العشوائية هي السبب الأبرز لوقوع المرء بفخ الفراغ وهواجسه حيث يفقد المريض بالفراغ دعنا نسميه الشعور بالحياة وبالذات، كما تحرمه من أن يخلق لنفسه وجداناّ وكياناً يقوم على معايير ثابتة .
وإن الروح والعقل ركنا كيان الإنسان إذا حدث فراغ في أي منهما فهذا يعني أن خللًا جوهريًا سوف يطرأ عليه سيغير مجرى محدثات حياته ومن هنا يمكننا أن نصنف الفراغ لأنواع:
أولًا فراغ روحي:
ويعد هذا النوع من أخطر أنواع الفراغ لأنه يصيب روح الإنسان من ثم يقتل أعماله الروتينية المقدسة ليفقد حياته لونها رونقها، ويُفقد الإنسان الإحساس الفطري بالأشياء، و يحرمه من لذة البكاء بحرقة والاشتياق عند رؤية صورة من يحب، والفرحة البريئة بأبسط الأشياء الجميلة.
فراغ الروح يعني عدم التأثر حين سماع قصة معتقل في سجون نظام الأسد وقد سرق السجن سنوات عمره وأكلت الأسواط من جسده، فبات جسده يخلو من المشاعر وأصبح عبارة عن إنسان آلي يعيش بلا هدف أو مغزى أو غاية.
ويعد الفارغ روحيًا ضحية كونه لم يختر ذلك بكامل إرادته إنما بمساعدة تدخلات خارجية كالخذلان والخيانة وصدمات المتكررة أو قد يكون ضحية ذاته المتخبطة .
ثانياً فراغ عقلي:
ويعتبر هذا النوع من الفراغ ليس خطيرًا بقدر خطورة الفراغ الروحي، فليس مطلوب من كل الناس أن يكونوا عباقرة ، وهنا يأتي فراغ العقل بمعنى عدم الرشد والتعصب التعقيد والجهل الناس، فهذا النوع غير قادر على استيعاب المجريات ويمتلك نظرة الجهل لجميع من يخالف عقليتهم الجامدة، لذلك فالامتلاء العقلي "من وعي وثقافة" نصيب الفئة التي تشقى في النعيم بعقلها، وأشدد على أن هذا النوع أقل خطورة من النوع الأول حيث يمكن معالجته وتداريه عكس الفراغ الروحي الذي يقتل الحياة ويفقد صاحبه قيمة ذاته وقد يستخيل علاجه أو مداواته.
ثالثاً فراغ الوقت:
تندرج الأنواع السابقة تحت سحابة الفراغ الذي يأتي من داخل الإنسان؛ أما هذا النوع يأتي من خارجه فيفرضه عامل الزمن و"الوقت" والمقصود هنا ليس اللحظات التي يكون بها الانسان مشغولاً بغض النظر عن مشاعره ولكن المقصود هو اللاشيء، أي أن تقضي عمرك دون أن تفعل شيئا ملموس ودون أن تسعى إلى شيء ودون أن تحس بشيء، حينها ستكون عرضة لكل مشاكل الدنيا، وستكون أبعد ما تكون عن نفسك ودورك في الحياة، أن تخوض مع الخائضين في أي شيء كان وبلا هدف وستهتف للقائد الفلاني لأن الآخرين يفعلون، ستضيع عمرك هدرًا بلا أي فائدة وستكون وقودًا مشتعلًا للأشرار ويسهل تجنيدك في خطط الشر التي من أكثرها
نتائج الفراغ:
يتسبب الفراغ بحالة من الخلل النفسي التي تقضي على سلامة الفكر لدى الإنسان حيث أنها تأخذ الأفكار الإيجابية لتحل محلها أفكار سلبية هلال لحظاته الفارغة الهادئة ليهوي في وادٍ سحيق من الانكسارات والكسل وفقد الذات.
كما يؤدي إلى الإصابة بالكثير من الأمراض النفسية والاكتئاب والاضطرابات العقلية وقد يتطور للجنون، ويكسب صاحبة عادات سيئة كالتدخين وتعاطي المخدرات وشرب الخمر وغيرها تحت ذريعة أنه يريد أن ينسى همومه ويشغل وقته، ويحصل أن ينخرط الفارغ بالمشاحنات والمشاجرات مع العائلة أو الجيران وذلك لعدم وجود عمل فعلي هادف يملأ وقته.
ما هو الحل ؟
هناك العديد من الأمور والطرق لتلافي الوقوع في الفراغ وللخروج منه في حال حدوثه من خلال سد ثغرات الفراغ والانشغال عنه منها:
١_ ممارسة الهوايات التي تساعد على قضاء وقت ممتع مريح للأعصاب دون أن يشعر الانسان بالوقت الذي استهلكه خاصة اذا كانت هوايته المفضلة الأمر الذي سيصنع منه شخص هادئ معتدل المزاج .
٢_ استغلال وقت الفراغ بممارسة الرياضة بشكل يومي مما يحفز على الالتزام بالأعمال اليومية المليئة بالطاقة الإيجابية.
٣_تكوين العلاقات الاجتماعية والصداقات، حيث يمكنه مشاركة مشاعره مع رفقائه مما يرفع من معنوياته ويزيد من شجاعته على خوض التجارب.
٣_استثمار الوقت بحضور الندوات والاجتماعات والدروس الدينية والمراكز الثقافية الأمر الذي من شأنه يكسب معلومات أكثر ويوعيه على كثير من الأمور التي كان يجهلها.
٤_ المشاركة بالأعمال الخيرية والتطوعية، كأن يشارك بحملة لتنظيف الشوارع أو دهن الأرصفة أو إطعام الفقراء وإدخال السرور على قلوبهم، مما يشعر الإنسان بالسعادة والرضى والثقة بالنفس.
٥_ التأمل والتفكر وقراءة الكتب وخيرها القرآن الكريم وتدبر معانيه وتحديد موعد يومي لقراءة ورد منه مما يزيد وتيرة الإيمان في قلب الإنسان ويزيل عنه الشجن والحزن اللذان يرافقان الفراغ .
الفراغ سُم قاتل للإنسان ، و أفعى تلتف حول رقبته و تطوقه و تقضى عليه، وفي النهاية.. لقد خلقنا الله وأعطانا الحرية المطلقة، لذلك فالحرية سوف تشمل طريقة كل واحد منا في قضاء وقته ورؤيته لنفسه وللحياة، نحن أحرار في وضع أهدافنا وأحرار في تشكيل الصورة التي نود أن يرانا بها الآخرون، لنا الحرية في أن نكون هوامشًا أو متنًا أن نعرف أنفسنا أو نجعل منها نكرة.. لنا الحرية في أن نكون أو لا نكون أبداً