روث حيوانات وبلاستيك.. التدفئة الصحية ترف في زمن التهجير
تستعد "خالديّة" وهي مهجرة من ريف معرة النعمان الشرقي خلال فصل الصيف لمهمّة شاقة، تعمل خلالها على تجميع روث الحيوانات متنقلةً بين خيمة وأخرى حوّلها المهجرون إلى حظيرة صغيرة تحوي حيواناتهم، إذ إنّ هذه المواد غير الصالحة للتداول البشري ستكون مادة رئيسية للتدفئة خلال شتاء قاس تنتظره مع عائلتها.
اضطر مهجرون سوريون في مخيمات إدلب العشوائية إلى تحويل روث الحيوانات عبر طريقة بدائية إلى مادة للتدفئة، وآخرون وجدوا في المخلفات والنفايات البلاستيكية والكرتونية وسيلة تدفئة إضافيّة، وفي أحسن الأحوال يظهر الحصول على عيدان من موسم قطاف الزيتون ترفاً لدى تلك العائلات أمام عجزها عن تأمين مواد تدفئة تقليدية من المحروقات والحطب وقشر الفستق.
تأمين مواد التدفئة في مخيمات النزوح هي مهمة تشاركية لجميع أفراد العائلة، فالأطفال يشقون طريقهم منذ الفجر إلى جمع "النايلون والبلاستيك" في رحلة مضنية، وكذلك السيدات إلى جانب أرباب الأسر يجتهدن في ابتكار وسيلة تدفئة سواء أكانت صحيّة أو غير صحيّة، فالغاية إيجاد دفء لأطفالهم، على حد تعبيرهم.
وتحاول منظمات إنسانية وفرق تطوعية، تخفيف المأساة الإنسانية التي يعيشها المهجرون خلال فصل الشتاء لتأمين الدفء من خلال العديد من الحملات الإغاثية.
روث الحيوانات.. خيار صعب
تتحدث "خالدية" القاطنة في مخيم عشوائي قرب طريق باب الهوى ـ إدلب الدولي، عن طريقة إعداد أقراص الروث هذه أو ما تعرف محلياً بـ "الجلة"، والتي تخضع إلى عملية تذويب ونقع في الماء لساعات وبعدها يطرأ "القش" كمادة إضافية على الخليط المذوّب من الروث والماء.
وتضيف لموقع تلفزيون سوريا: "في المرحلة التالية نعمل على تحويل هذه المادة إلى أقراص وتعرض بعدها على أشعة الشمس حتى تتحول إلى أقراص مجففة متماسكة سهلة الاستعمال".
وتستطرد أنّ أقراص "الجلة" يمكن أن تصلح أيضاً لأعمال الطبخ والتسخين، إلا أنّها لا تفضل ذلك فالدخان المتطاير من نيرانها قد يصل إلى الطعام ويغير المذاق والطعم.
وكان خيار التدفئة لدى بعض المهجرين السوريين على "روث الحيوانات" هو الأخير، بحسب محدثتنا "خالديّة" بعد أن حالت مقدرتهم المادية دون شراء مواد تدفئة تقليدية وصحيّة أو حتى شراء مدفأة، مؤكدةً أنه في حال تدخل إحدى المنظمات الإنسانية لتأمين مواد تدفئة سليمة لها ولعائلتها سيكون قراراً سهلاً أن تتخلى عما أعدته من أقراص "الروث" للتدفئة وتتخلّص منها على الفور.
"لمّ النايلون"
يخبرنا "هارون العلي" الطفل المهجر من قرية "أم جلال" شرق إدلب، بعد وصوله للتوّ من رحلة البحث عن "النايلون والبلاستيك". قبيل غروب الشمس بدقائق، يضع هارون ما جمعه من أطراف الطرقات والأحياء السكنية في خيمة صغيرة خصصتها عائلة الطفل إلى جانب خيمة المبيت، تخضع هذه الأشياء إلى عملية فرز بين ما هو صالح للبيع وللحرق أو التدفئة.
وتنحصر مهمّة جمع مواد البلاستيك والمطاط وأيضاً الأشياء الكرتونية بأطفال الخيام، إذ تتمتع حركتهم بالمرونة وسهولة التنقل بين الأسواق والأزقة دون أي عائق اجتماعي، بل ربما يُحدث مشهد بحثهم هذا استعطافاً لدى السكّان.
إلى جانب "هارون" يجد صديقه "خالد علوش" أن "لمّ النايلون" وجمعه سبيله للعيش ولذلك هو متمسك بهذا العمل، فبيع المواد البلاستيكية يأخذ حيزاً كبيراً من تصريفها بالإضافة إلى استعمالها بالتدفئة.
عيدان الزيتون والبالة
ينتظر "أبو أحمد" موسم قطاف الزيتون، ليستفيد من عملية "التشحيل" التي تعقب موسم القطاف، لتكون الأعواد وما تحمله من أوراق يابسة وهو ما يعرف بـ"الزرّود" مادة للتدفئة يمكن تأمينها بسعر مقبول.
ويشتكي "أبو أحمد" وهو مهجر من قرية الزكاة شمالي حماة خلال الحملة العسكرية الأخيرة، من صعوبة شراء أية مادة للتدفئة في ظل الارتفاع الكبير في أسعارها.
يوضح محدثنا القاطن في مخيم "طلال" قرب بلدة حربنوش شمال إدلب، أن "ألبسة البالة والأحذية المستعملة" صارت صعبة المنال فهي الأخرى بعد الإقبال عليها خلال السنوات القليلة الماضية بغرض التدفئة، سجلت ارتفاعاً كبيراً هذا العام ليصل الطن الواحد إلى 100 دولار أميركي، وبالتالي حرمت منها عائلات كثيرة.
يقول "أبو رائد" من سكّان مخيم عشوائي أيضاً، إنّ الحديث عن الاعتماد على أعواد الزيتون هو أمر غير وارد، فهي عملية يترتب عليها مبالغ ماليّة غير قادر على تسديدها تتجاوز تقديراً الـ 50 دولاراً.
العامل الصحي مَنسيّ
لمواجهة برد الشتاء في خيمة قماشية، تصبح بعض الأولويات ومنها العامل الصحيّ ترفاً، وعلى هذا النحو تتعاطى عائلات مهجرة في استعمالها مواد غير صحيّة في التدفئة، فضلاً عن مساهمتها في أمراض الصدر والتنفّس.
"رمزية عبدو دعيمس" وهي سيدة مهجرة تعتمد على جمع أطفالها من المواد البلاستيكية، تؤكد أنّ أمراضاً تنفسية عديدة ضيقت على أطفالها الشتاء الماضي، لكن لا خيار آخر أمامهم.
وتضطر "رمزية" مع أخريات إلى التأخر في تركيب المدفأة البدائية، لتقنين المواد التي اجتهد أطفالها في جمعها ما أمكن، ولتجنيبهم في الوقت نفسه أمراض الصدر والأذى الصحي، إلا أنّه حين يهبط البرد فجأة تضطر لاستعمالها، بحسب تعبيرها.
الأسواق ملتهبة.. طن الحطب بـ 150 دولاراً
صار الحصول على المحروقات (المازوت) من أجل التدفئة من المنسيّات بين الأهالي بعد أن اقترب سعر الليتر الواحد منه من الـ 4 ليرات تركية، أمّا مواد التدفئة التقليدية الأخرى من الحطب الجاف وقشر الفستق والبيرين فأصبحت حكراً على العائلات الميسورة.
يشير "ناصر أبو علي" بائع حطب من جبل الزاوية، إلى أنّ استراتيجيات جديدة تتخذها العوائل ذات الدخل المتوسط لشراء الحطب من أجل التدفئة أبرزها شراء المفرّق، فربّ الأسرة يشتري بين الحين والآخر من 100 إلى 300 كيلو من الحطب بحسب الحاجة.
ويوضح لموقع "تلفزيون سوريا" أنّ شراء الأطنان من الحطب أو البيرين لسد حاجة الشتاء كاملاً يعمد إليه فئة ضيقة من السكّان من الميسورين أو ذوي العوائل الصغيرة.
وتتراوح أسعار طنّ الحطب بين 110 دولارات أميركية إلى 150 دولارا، وتتباين الأسعار وفقاً لنوعية الحطب سواء أكان زيتونا أم جوزا أم سنديانا، وأيضاً لدرجة جفافه، بينما يسجل طن "الفحم الحجري" قرابة الـ 140 دولاراً، بحسب "أبو علي".
قشور الفستق الحلبي
يعتبر أهالٍ أنّ قشور الفستق الحلبي والبندق وغيرها بديل صحي عن المازوت التي اعتاد السوريون استعمالَه في التدفئة، وفضلاً عن توافرها بكثافة عبر المعابر الحدودية مع تركيا ودخولها السوق المحلي في إدلب لاقت انتشاراً مقبولاً.
بالرجوع إلى أسعارها تسجل هي الأخرى ارتفاعاً كبيراً وهي ما جعلها محصورة بفئة محددة وفقاً لـ"جمال أبو أحمد" بائع قشور، إذ سجل طن قشر الفستق الحلبي (التركي) نوع أوّل سعر 160 دولاراً والبندق 130 دولاراً.
وبيّن "علي أمين" من سكان بلدة حزانو شمالي إدلب أنه يضطر هذا الشتاء لاستعمال "قشور الفستق" من أجل صحة طفلته الصغيرة، ما رتّب عليه شراء مدفأة معدّلة من مدفأة المازوت بتكلفة وصلت إلى 70 دولاراً، في حين يتراوح سعر المدفأة الجديدة من 120 إلى 170 دولاراً.
وتتسم مدافئ قشور الفستق بخاصيات جديدة على المدفأة التقليدية منها خزان صغير للفستق ومحرك لسحب القشور منه يعمل على الطاقة التي توفرها بطارية صغيرة مرفقة إلى جانب المدفأة.
تبرعات للمخيمات.. "يوم ملهم للعطاء"
قبل أيام أعلن فريق ملهم التطوعي، عبر صفحته في "فيسبوك"، عن جمع نحو ربع مليون دولار أميركي ضمن ما أطلقوا عليه "يوم ملهم للعطاء"، إذ إن هذه التبرعات ستخصص لتأمين التدفئة والمأوى للنازحين في المخيمات.
"براء بابولي" مدير قسم المأوى في الفريق أفاد لموقع تلفزيون سوريا، بأنّ الحملة قائمة على مضاعفة "فاعلي الخير" لأي مبلغ يتمّ التبرع فيه خلال الفترة المحددة، مهما كانت قدرة المتبرع أو قيمة المبلغ، فالدولار سيصبح دولارين.
وتابع: "سيتمّ صرف كل المبالغ الواردة في يوم ملهم للعطاء لتأمين المأوى والدفء للعائلات النازحة التي تسكن المخيمات ومراكز الإيواء والمنازل التي يعاني أهلها من الأوضاع المأساوية".
وأشار إلى أنّ الفريق بدأ بالعمل على تأمين كمية 1500 طنّ من الفحم الحجري للمهجرين، بقوام 250 شاحنة ستوزع تباعاً خلال فصل الشتاء.
ويبقى الحصول على مواد للتدفئة من قبل سكان ومهجري منطقة شمال غربي سوريا أمراً شاقاً في ظل الارتفاع الكبير في الأسعار، إلى جانب أزمة اقتصادية خانقة يعيشها الأهالي منذ سنوات وتفشي البطالة بشكل واسع، وسط مناشدات لتقديم رعاية إنسانية إسعافية سريعة خلال فصل الشتاء من منظمات المجتمع الدولي والإنسانية العاملة في المنطقة
المصدر : تلفزيون سوريا