قصة عائلة سورية.. من لاجئين سوريين إلى مواطنين كنديين
قبل خمس سنوات من اليوم، وصل سامر الجباوي وعائلته إلى كندا بصفة لاجئين سوريين، إلا أنهم أصبحوا كنديين من أصول سورية يوم الخميس الماضي.
كان يوماً مفعماً بالعواطف الجياشة بالنسبة لأسرة الجباوي وعشر أسر سورية أخرى وهم يؤدون القسم ليصبحوا مواطنين كنديين وذلك ضمن مراسم خاصة جرت افتراضياً بمناسبة الذكرى الخامسة لوصول أوائل اللاجئين السوريين إلى كندا.
بدا للبعض بأن تلك العائلات تعرضت للرفض والصد من قبل كل دول العالم قبل أن تجد موطناً لها في كندا.
فقد وصل السيد سامر برفقة زوجته أسماء وابنته هلا التي أصبح عمرها اليوم 8 سنوات وابنه محمد وعمره الآن 6 سنوات إلى كندا في السادس من كانون الأول من العام 2015، وحول تلك التجربة يقول لنا: "عندما تحاول أن تزور بيوتاً عديدة، ويطردك الجميع لأنهم لا يريدونك، وفجأة يفتح لك بيت بابه ويقول: أهلاً بك، بوسعك أن تتفضل بالدخول.. تخيل ذلك الشعور! بماذا ستشعر عندما يرفضك الجميع ويطردك حتى بلدك؟ لقد استقبلتنا كندا وهي تقول: مرحباً بكم لتصبحوا جزءاً منا، وبصراحة لا توجد كلمة تصف ذلك".
يذكر أن الحرب السورية التي بدأت في عام 2011 باحتجاجات سلمية ضد نظام بشار حافظ الأسد ضمن انتفاضات الربيع العربي تسببت بتشريد ونزوح 14 مليون نسمة.
وفي أيلول من عام 2015، تسببت صورة لطفل سوري فارق الحياة وهو بعمر الثالثة، وتم التعرف على هويته فيما بعد ليصبح آلان الكردي، حيث ظهر في الصورة ووجهه قد دفن برمال أحد الشواطئ في تركيا؛ تسببت في إيقاظ ضمير الكنديين في عموم أنحاء البلاد.
وهكذا أطلقت حكومة ليبرالية تم انتخابها مؤخراً لتتولى الأمور بعد حكومة محافظة في شهر تشرين الأول من العام نفسه، مشروعاً وطنياً، وفتحت أبواب كندا، بهدف استقبال 25 ألف لاجئ سوري في غضون 100 يوم.
ومنذ ذلك التاريخ، استقبلت كندا حوالي 73 ألف لاجئ سوري تقريباً بموجب برامج إعادة التوطين التي تمولها الحكومة أو الجمعيات الخاصة المهتمة بأمور اللاجئين.
فوزير الهجرة الكندي ماركو ميندشينو كان نائباً مبتدئاً في البرلمان عندما وصل إلى مطار بيرسون بتورونتو في 10 كانون الأول من عام 2015، ليرحب بالقادمين من سوريا برفقه ابنته التي كانت حينها في الثامنة من عمرها. أما اليوم فقد رحب هذا الوزير بآخر دفعة من الأشخاص الذين حصلوا على الجنسية الكندية وذلك عبر شاشة حاسوبه يوم الخميس الماضي، حيث قال: "كانت علامة فارقة على المستوى العاطفي ضمن ما تحول إلى مشروع وطني. فلقد شهدنا كم الدعم الذي تدفق من قبل الجمعيات والمشاريع التجارية والناس من مختلف المشارب في الحياة. وهكذا تحقق ذلك المشروع بفضل تفاني من رعوه من القطاع الخاص، وكذلك بفضل من قدموا خدمات إعادة التوطين.. لقد كان جهداً إنسانياً جباراً أظهر قوة بلادنا وعمق تعاطفنا".
وهنا تجدر الإشارة إلى أن السيد سامر الجباوي كان ناشطاً حقوقياً ميدانياً في المظاهرات التي سبقت الحرب خلال فترة الربيع العربي، ولكنه تعرض للاعتقال والتعذيب على يد سلطات نظام الأسد.
بيد أنه بالرغم من كل ذلك واصل تحديه لتلك السلطات، إلا أن القذيفة التي دمرت بيته في مدينة جاسم في عام 2013 كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ دفعه ذلك إلى الانتقال مع أسرته الصغيرة إلى أحد دول الجوار، حيث اختار الأردن، وظلت تلك الأسرة تعيش في ذلك المنفى قبل أن تسافر إلى كندا.
وحول تلك التجربة يتذكر سامر فيقول: "كنا طيلة الوقت خائفين متوجسين من احتمال قيام الأردن بإعادتنا إلى سوريا، لأن ذلك يعني نهاية حياتنا، ولهذا أصبح قدومنا إلى كندا بمثابة دخولنا إلى الجنة".
يبلغ سامر من العمر اليوم 32 عاماً، وهو حاصل على إجازة في الأدب الإنكليزي وقد درس اللغة الإنكليزية كلغة ثانية في سوريا.
إلا أن تلك الأسرة بمجرد وصولها إلى أوتاوا في شهر كانون الأول من ذلك العام، فوجئت بشتاء كندا القارص.
ويخبرنا سامر عن ذلك وهو يضحك فيقول: "حاولنا أن نطلع على كل ما بوسعنا أن نعرفه عن كندا من خلال الشابكة، لكن لا شيء يمكنه أن يجعلنا مستعدين لمجابهة الطقس فيها. إذ كل شيء كان أبيض، يكسوه الثلج، ولم يكن هنالك أي شيء أخضر فوق الأرض، لذلك تساءلنا: كيف بوسع الناس أن يعيشوا هنا؟!"
وبفضل مهاراته المتميزة باللغة الإنكليزية، تطوع السيد سامر لمساعدة أبناء جلدته من السوريين في حياتهم الجديدة بكندا، وبعد مرور بضعة أشهر، ومن خلال أحد معارفه في المسجد المحلي، حصل على عمل كاستشاري تسويات لدى المركز الصومالي لخدمات الأسرة، ويحدثنا عن ذلك فيقول: "من الصعب أن تبدأ حياتك من الصفر" خاصة بعدما تفرق شمله عن أبويه وأشقائه وشقيقاته الذين توزعوا بين مصر والكويت ولبنان وسوريا.
لكنه يضيف: "بيد أن الكنديين هم ألطف شعوب الأرض ويتمتعون بحسن الاستقبال والضيافة، إذ تجد الناس موجودين حولك على الدوام ليمدوا يد العون عندما تحتاج إليهم. لقد حصلنا على أكثر مما نستحق".
وبوجود علم كندي كبير يزين أحد الجدران في غرفة الجلوس لديه، يخبرنا السيد سامر بأن فكره مشغول على عائلته وأبناء بلده بعدما تشتتوا في بقاع الأرض، وذلك عند أدائه للقسم للحصول على الجنسية الكندية.
وحول ذلك يقول: "مايزال كثير من أبناء شعبنا يعيشون في ظل ظروف غاية في السوء، ولم يعد بمقدورهم تحمل تكاليف الحاجات الأساسية ليقدموها لأولادهم". ثم أعرب السيد سامر عن رغبته بالحصول على جواز سفر ليتمكن من الذهاب إلى الشرق الأوسط لرؤية عائلته التي لم يرها منذ سنوات.
ويعلق على ذلك بالقول: "نريد من كندا أن تفخر لأنها أتت بنا إلى هنا. فقد تعهدنا بألا نخذل الشعب الكندي وبأن نقوم بتمويل عمليات وصول مزيد من السوريين إلى هنا".
غير أن هذا الشعور بالامتنان متبادل، إذ إن ميلفا وإيان سكوت، وهما زوجان متقاعدان من قرية فروتفيل أعلنا أنه أصبح لديهما ابنة ثالثة وهي شابة سورية التقيا بها للمرة الأولى خلال جولة سياحية لهما في تركيا عام 2015، ثم قاما بتمويل قدومها إلى كندا عبر جمعية أصدقاء اللاجئين في غرب كوتيناي.
إذ كان الزوجان سكوت يتجولان في متجر للهدايا بقرية صغيرة تشتهر بصيد الأسماك وهي قرية أناضولو كافاغي بالقرب من إسطنبول عندما صادفا فتاة تعمل في المتجر أخذت تبكي بعدما تعرضت لإهانة من قبل زميل تركي لها في المتجر ذاته، ومن خلال الحديث معها اكتشفا أن اسمها رهف زوينة وبأنها لاجئة سورية تقيم في تركيا بشكل غير قانوني. كما سألاها عن خططها للمستقبل، ورأيها بالسفر إلى كندا.
ورهف التي أصبحت اليوم في الثالثة والثلاثين من عمرها هربت من دمشق برفقة والدها الأرمل وشقيقها الأصغر منها سناً في أواخر عام 2014 بعدما اتضح لهم بأن الحرب السورية لن تنته قريباً، وحول تجربتها مع أسرة سكوت، تخبرنا أنها ردت على أسئلتهم بالقول: "كندا بعيدة جداً، ولا أعتقد أنه بوسعي السفر إلى هناك بالقارب، كما أنني لم أجمع ما يكفي من المال لأدفعه إلى مهرب حتى يساعدني على الوصول إلى أوروبا بالقارب".
وهكذا تبادلت أسرة سكوت مع رهف أرقام الهواتف، والبريد الإلكتروني، وبقيا على تواصل بعد ذلك.
وفي أواخر الخريف من ذلك العام، وبعد فوز رئيس الوزراء جاستن ترودو بالانتخابات، واتخاذه قراراً جعل من خلاله عملية إعادة توطين السوريين أولوية بالنسبة لحكومته الجديدة، سأل الزوجان سكوت رهف عبر سكايب إن كانت مهتمة بالسفر إلى كندا بوجود من يمول رحلتها إلى هناك.
وهكذا، وفي غضون ستة أشهر، تركت رهف أباها وشقيقها في تركيا وسافرت لتحتضنها أسرة كندية لم تلتق بها سوى مرة واحدة حينها. إلا أن الزوجين سكوت منذ اليوم الأول لوصولها ساعداها وأرشداها إلى الطريقة التي يمكنها من خلالها أن تبدأ حياتها هناك من جديد.
وعندما حصلت رهف على قبول في برنامج دبلوم دراسي باختصاص السياحة والضيافة لدى كلية سيلكيرك بولاية نيلسون، عثرت الجامعة على أسرة لها هناك بوسعها أن تستقبلها دون أي مقابل، وذلك لتجنبها السفر لمدة أربع ساعات بالحافلة بين بيتها والكلية كل يوم.
وبعد تخرجها في عام 2018، انتقلت رهف للعمل في فندق ومن ثم في متجر للمجوهرات في كيلوونا وهناك تعرفت على التركي إيركان باكير، فتزوجا وسافرا إلى فانكوفر في آب.
وحول كل ذلك تخبرنا ميلفا سكوت وهي موظفة متقاعدة كانت تعمل في مشفى، وقد حضرت لتشهد مراسم أداء رهف للقسم من أجل الحصول على الجنسية يوم الخميس الماضي، فتقول: "أشعر أن الخير قد عاد إلي عندما شهدت نجاحها وحسن قيامها بكل ما قامت به، وسرعتها بتحقيق كل ذلك".
ولقد ساعد الزوج إيان سكوت برفقة زوجته على تمويل نفقات سفر سعد والد رهف، وشقيقها عمرو، إلى فروتفيل ولهذا يقول: "لقد بدأت رهف تقدر كندا والفرص التي قدمتها لها، وأعتقد أنها احتاجت لفترة من الزمن حتى تقدر كل ذلك، لأنك عندما تترك وطنك، عندها يصبح وطنك هو بيتك".
وتخبرنا رهف التي توفيت والدتها لينا النقشبندي بأزمة قلبية مع بداية الحرب في سوريا بأنها تحس بعميق الامتنان لأسرة سكوت ولكل من ساعدها وآمن بها خلال مسيرتها تلك، وتضيف: "إنني مؤمنة تماماً بأن أمي معي، وبأنها تقوم بحمايتي
المصدر : تلفزيون سوريا