القبضة اللاسلكية
في جلسة شتاء بارد في كانون الاول الجاري
في بيتنا الصغير الذي لم يره أهلي منذ 4 أعوام، وقد شوهت سقفه قذيفة هاون لطيفة لا أعلم من أي حاجز وصلتنا..
وفي سكون الليل ونسمات الهواء، يعلن أبو فيصل مرصد عن إقلاع مروحي حديث وسريع من حماة
سريع نعم لكن سرعة المروحي ليست أسرع مني ومن أبي منار (صديقي)، في الهروب إلى المغارة تختفي البسمة من وجوهنا..
وتقطع جميع الأحاديث والنقاشات ، لننظر إلى بعضنا وكأنها النظرة الأخيرة، فيلعن صديقي ابو منار المروحي، ويشعل دخانه الحمراء الطويلة لأقاطعه بأنه ليس إلى قريتنا، ليقاطعني صوت المعلن بأن المروحي قطع قرية كفر زيتا باتجاه شمال غرب، وهي الهبيط وما حولها اي قريتي الشبه مدمرة
في لحظة انتباه، يبدأ أزيز الطائرة بالوصول من بعيد، فنركض إلى المغارة التي سبقنا اليها جميع من يسكن حارتنا، من أطفال ورجال ونساء وشيوخ، وبعضهم أرهقه التعب، فيما بعضهم الآخر كان نائما قبل القدوم ترى على وجوههم الخوف والرهبة، ليأتي صوت عجوز من داخل المغارة (تشاهدوا واسكتوا)، أي تلفظوا بالشهادتين واصمتوا، الأمر الذي يبعث الخوف في نفوسنا أكثر فأكثر
نعم انها ثانية هي مدة وصول البرميل إلى الأرض...
15 ثانية وكأنها 15 عاما. 15 ثانية تفصلك عن الموت...
15 ثانية فقط كفيلة بأن تستعيد فيها ذاكرة حياتك، وماذا فعلت، ولمن أسأت، ومن ظلمت. 15 ثانية تدعو بها الله أن يسامحك عما فعلته
في لحظة سكون المروحي نفذ نعم لم نمت هذه المرة لكن لا أعلم ان كانت قبضتنا اللاسلكية ستكون على ما يرام في المرة القادمة لتخبرنا بأن الموت آت من مطار حماه العسكري.
محمود عواد
2019-08-01
المصدر: موقع صدى المجتمع المدني