لا أخاف سرد الحكاية السوريّة: لأن المجازر ليست شيئاً طبيعياً نعتاد عليه
دلير يوسف
لا حاجة لأن يعرف المرء التاريخ جيّداً، أو أن يقرأ الكتب التي تروي سير الدول والممالك، حتى يعرف أنّ كلَّ الممالك زائلة، وأنّ كلَّ الطواغيت لا بدّ راحلون. ومثلها مثل كلِّ الممالك التي سبقتها ستزول مملكة الأسد، المملكة المبنيّة على الذعر والخوف والترهيب والتعذيب في السجون، المبنيّة على مقرّاتٍ أمنيّةٍ ومجازر جماعيّة ونهب مالٍ عام، المملكة المبنيّة على خراب مصيرها الخراب، طال الزمن أم قصر.
هذه التي اسمها سوريا، والتي رسم حافظ الأسد خارطتها بالموت والسجون، وأكمل وريثه ما بدأه والده، وارتكب مجازر لا تحصى بحق السوريين، رازحة تحت جبلٍ من الآلام، آلامٍ لا تُنسى، آلامٍ لن ننساها، فالنسيان مهمّة القاتل، ومهمّة الناجين التذكّر والتذكير.
لن ننسى المجازر التي ارتكبتها قوات الأسد، لن ننسى صور الأطفال المذبوحين في كرم الزيتون وفي داريا، لن ننسى الركام والحطام والأنقاض والخراب الذي شكّله جيش الأسد بقذائفه وصواريخه، لن ننسى المتآمرين على الثورة ممن أسّسوا كتائب تنادي بالحريّة وتُكنّي نفسها باسم طاغيةٍ مجرم، مثل صدّام حسين.
هي أشياء صغيرة نقف عندها فتغيّر لنا حياتنا، مثل أغنيةٍ لطيفةٍ أو كتابٍ ممتعٍ أو…. مجزرة. يجب أن نحكي عن المجازر ونذكّر بها حتى لا تقوم في المستقبل قائمةٌ لنظامٍ جديدٍ يرتكب مجازر مشابهة. صحيح أنّ في الدنيا أمور كثيرة تحدث كلَّ دقيقة، وأننا نسابق الزمن للحاق بالمعلومات من أجل حياةٍ أكثر رفاهيّة، لكن يجب علينا التوقّف عند الموت النازل كلّ يوم فوق رؤوس الأبرياء. يجب أن نحكي شيئاً عن الدماء والأشلاء التي نراها على شاشاتنا، يجب علينا أن نحكي ونروي قصصنا دون أن نتعب من تكرارها، فهي الملجأ الوحيد المتبقّي لدينا.
علينا ألّا ننسى جسد حمزة الخطيب الذي شوّهه المجرمون، يجب أن نبقى متذكّرين رأس الطفلة فاطمة الذي فصلوه عن جسدها الصغير، يجب أن نتذكّر مجزرة داريا والطفلة التي تجلس بجانب أمها الميتة، ويجب أن نتذكّر تقرير التلفزيون السوري؛ تقرير ميشلين عازر الحقير. علينا أن نتذكّر مجازر الحولة وكفر عويد وجسر الشغور. المجازر ليست شيئاً طبيعيّاً مثل الماء والطعام حتى نتعوّد عليها، المجازر هي تجاوزات للطبيعة، وتجاوزات الطبيعة ليست شيئاً عاديّاً.
هذا ما يريدنا النظام السوري أن نفعله، أن ننسى، وكأنّ ما كان لم يكن. يلاحقنا نظام الأسد ومن خلفه أصدقاؤه الروس والإيرانيّون على حذف منشورات فيسبوكيّة تنعي عبد الباسط الساروت، يريدون أن يحرمونا من كلِّ شيء، حتى من ذكر حقائق حدثت، يريدون أن يفرّغوا الحقيقة من معناها ويجعلوا الشك مسيطراً على كلِّ حقيقة. يريدون أن يقولوا إنّ القصة التي نحكيها كذبة، وإنّ ما حدث لم يحدث، وإن المجازر ما كانت موجودة، وإنّ السجون نظيفة ولا معتقلين ماتوا تحت التعذيب، وإنّ الخوذ البيضاء منظمةٌ إرهابيّةٌ لا يهمّها إنقاذ المدنيين، وإنّ أبطالنا إرهابيّون. يريدون أن تبقى الحكاية حكايتهم وأن يقولوا ما يريدون طالما مؤيّديهم، مغسولي الدماغ، يصدّقون كلّ ما يقوله هذا النظام وأبواقه، إذ أن جنود الأسد، وجنوداً روسيين وإيرانيين وميليشيات لا ندري من أين نزلت علينا، احتلّوا بيوتنا وشوارعنا وبلادنا، والآن يريدون أن يحتلّوا ذاكرتنا، وهذا ما علينا مقاومته. نحن نملك ذاكرتنا، نحن نملك حكايتنا، ولن يسلبوها منّا.
2019-06-24
المصدر: TOP 10