“المجتمع أوجعني أكثر من الإعتقال”
معتقلة سابقة تروي معانتها بعد خروجها
“لم أتخيل أبدا وأنا داخل سجني أنني سأتمنى العودة إليه، وأنني سأذوق عذاباً أشد من ذلك الذي حصلت عليه في سجون النظام ، لكنّ المجتمع الذي عدت إليه أثبت أنه لا يقلّ قسوةً عن هؤلاء الجلادين، وهو قدر كتب لمئات النساء السوريات اللواتي دفعن أبهظ الأثمان”.
بهذه العبارة المختصرة تبدأ ضحى ذو السابعة والعشرين ربيعا قصتها التي بدأت من جامعة تشرين في مدينة اللاذقية بداية أحداث الثورة السورية بعد مشادة كلامية حدثت مع إحدى زميلاتها الموالية للنظام تتعلق بالأوضاع، والتي كانت سببا فيما بعد للاعتقال من قبل مخابرات النظام.
ترجع ضحى بذاكرتها قليلا لتتحدث عن أصناف العذاب التي تعرضت لها طوال ثلاثة أشهر “كان الانتقام والضرب المبرح والإهانات طعامي اليومي، لم يوجهوا لي أي تهمة طوال بقائي في الفرع، قالوا لي نريد تأديبك هنا، وبعد هذه المدة خرجت عندما تم عرضي على القاضي”.
تحاول ضحى بصوت ضعيف شرح الألم الذي شعرت به بعد عودتها إلى مدينتها جسر الشغور ” كان استقبال أهلي بارداً رأيت الخجل و خيبة الأمل بعيونهم، أخي الكبير لم يكلمني، كانت أمي فقط من تحاول أن تخفف عني، لكن عيوني لم تكن لتخطئ تفسير نظراتهم”.
وتضيف :” لم أجد أحداّ يطيّب خاطري حتى خطيبي تركني بعد سنتين من الحب، زملائي وأهلي وجيراني الجميع كان ينظر لي وكأني عاهرة تحمل العار والإثم والرذيلة، و كأني أنا التي اخترت أن تمضي حقبة من الزمن في أكثر الأماكن رعباً وخوفاً وقذارة على وجه الأرض” .
وأمام ها الواقع عاشت ضحى حبيسة القيل والقال مع أهلها قبل أن يتقدم لها مقاتل أجنبي للزواج لديه خمسة أولاد وزوجة أخرى. تقول ضحى ” أمام ضغط أهلي اضطررت للموافقة، كان همي فقط أن أتخلص من هذه النظرات التي تلاحقني، لكن للأسف لم يدم زواجي أكثر من عام واحد لأستفيق في أحد الأيام ولا أرى أي أثر لزوجي وأسرته، سمعت أنه سافر إلى الرقة وتركني وحيدة هنا بعد أن رزقت منه بمولودة”
لم تعد ضحى لبيت أهلها بعد هذه الحادثة، بل قررت أن تبدأ حياة جديدة وتنفض عن نفسها غبار السنوات الماضية، وبالفعل تطوعت بداية للعمل في أحد الجمعيات النسوية في جسر الشغور، قبل أن تجد عملاً يعينها مع ابنتها.
ما تعانيه بعض الناجيات السوريات خاصة اللواتي تعرضن منهن للاغتصاب من الانسحاب الاجتماعي والتغيّر السلبي للأقرباء والأحباء هو واحدة من المشاكل المنتشرة بكثرة، يعود أسبابها وفق ما ترى الأخصائية الاجتماعية سارة حاج علي إلى “العادات والتقاليد التي تنظر للمرأة كطرف قاصر تتحمل مسؤولية أي اعتداء يجري عليها”.
وفي حين يستقبل أهل المنطقة المعتقل المفرج عنه بالطبول والاحتفال، تكاد بعض الأسر تخفي خبر اعتقال ابنتها أو تتبرأ منها هرباً من القيل والقال .
ولمعالجة هذه الظاهرة قالت حاج علي في حديثها الخاص لجريدة “صدى الشام” إنّ “النساء المفرج عنهن يجب أن يخضعن لدورات اجتماعية ونفسية مكثفة تعيد إليهن ثقتهن، كما يجب في الوقت ذاته التوجه إلى المجتمع ومخاطبته وخلق وعي ورأي عام ايجابي تجاه ما تتعرض له هذه الفئة من النساء”.
وكانت دراسة لمنظمة “نقطة بداية” المهتمة بالمعتقلات نشرها مرصد الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الإعلامي في أغسطس الماضي أظهرت من خلال عينة من المعتقلات استهدفن أن 62 في المئة خسرن الزوج بعد الخروج من المعتقل في حين إن 18 في المئة خسرن الأصدقاء و 12 في المئة خسرن الخطيب و6 في المئة خسرن الأهل وحالة واحدة خسرت زميل العمل .
حسام الجبلاوي
2019-04-18
المصدر: صدى الشام