الثورة السورية والادارة بالأزمات
أصبحت سوريا اليوم مسرحاً لصراع دولي كبير، فلم يعد صراعاً بين ثورة شعبية ونظامٍ جائر، بل أصبح صراعاً بين شعبٍ ثائر ودول عظمى، في ظل هذا الصراع الاستراتيجي والذي لا يمكن إدارته والوصول إلى نتائج مرضية فيه دون قوة استراتيجية شاملة، كان لابد من إدارة استراتيجية للثورة، خاصة وأنّ الضعف الداخلي في صفوف الثورة يجعل الخصوم يمنعوننا من امتلاكها، الشيء الذي يقودهم لشغلنا عن السعي نحو القوة ومن ثم تحقيق أهداف الثورة من خلال أساليب عديدة أهمها الإدارة من خلال الأزمات التي تجعلنا لا نفرغ من إخماد أزمة حتى تتفتح لنا أزمة أخرى. وهكذا تضيع السنوات دون الوصول إلى الهدف المنشود
وهذه الاستراتيجية اتبعها النظام السوري و بعض الدول الكبرى من خلفه في التعامل مع الثورة والثوار، فهي تجعل الخصم في
حالة تعب وتشتت دائم، ولا يكاد يلتقط أنفاسه ويفيق من أزمة حتى تشغله بأزمة أخرى. ولا تجعله يأخذ فرصة ولا نفساً ليفكر في المواجهة.
وقد نجحوا في ذلك إلى حدٍ كبير، فاستطاعوا أن يشغلوا الثوار بأنفسهم من خلال افتعال الأزمات بينهم، وافتعال الفتن الداخلية، وإغراقهم بالتفاصيل والجزئيات، كتكثيف القصف على بعض المناطق، وتهجير الآلاف من منازلهم وجعل تفكيرهم منصباً نحو إنقاذ الناس، وإغاثتهم، وتدبير أمورهم. فأشغلوهم بـ "إطفاء الحرائق" والتعامل مع الأزمات اليومية التي لا تنتهي.
إنّ غياب الإدارة الاستراتيجية للثورة أدى إلى وقوعنا في فخ الأزمات وانشغالنا بالأمور الفرعية كتأمين السلل الغذائية وإعداد وتجهيز المخيمات لاستقبال اللاجئين، ورعاية الأيتام والتعليم وغيرها من الأمور التي يجب أن ينبري لها من يتعامل معها، لكن ينبغي ألاّ تشغلنا عن الهدف الأساسي وهو إسقاط النظام الذي تسبب ومازال بهذه الأزمات.
وحتى نستطيع التعامل مع هذه الاستراتيجية، ونمتلك القوة الشاملة التي تمكننا من تحقيق غاياتنا لابد من منهج متكامل في الإدارة الاستراتيجية للثورة، وطريقة جديدة في النظر والتفكير والتنفيذ، ومن المهم في البداية تشكيل فريقين للتعامل مع هذه الأوضاع:
- الفريق الأول: متخصص بإدارة الأزمات المتلاحقة والتعامل معها، ويكون مؤهلاً ومدرباً، ولديه صفات تؤهله للقيام بهذا الدور. ويستعين بالخبراء والمختصين في مجال هذه الأزمات، لبحثها ودراستها وتحديد سبل التعامل معها وإعداد خطط العمل الكفيلة بإنهائها من خلال الأساليب العلمية التقليدية وغير التقليدية المتبعة للتعامل مع الأزمات.
- الفريق الثاني: يسمى بـ"فريق باطن الأرض" ومهمة هذا الفريق السعي لامتلاك القوة الشاملة، والعمل في دائرة العدو باستراتيجية مضادة، وكذلك العمل الاستراتيجي بعيد المدى، من إعداد الكوادر، وبناء المؤسسات التي ستدير المدن والدولة كذلك.
وبالطبع ليس لهذا الفريق علاقة بما يحدث على الأرض من أزمات، فهذا من تخصص الفريق الأول.
فإن استطعنا إنشاء وتفعيل هذين الفريقين والذي أصبح ضرورة مُلحّة ليس فقط لتحقيق نتائج إيجابية، وإنما لتجنب نتائج العشوائية المدمرة- سنكون خطونا الخطوة الأولى للإمساك بزمام المبادرة مرة أخرى، وتكون أفعالنا قائمة على الفعل والمبادرة وليس رد الفعل، وسنكون جاهزين للسيناريوهات القادمة وامتلاك القوة الشاملة لتحقيق أهدافنا.
المصدر: مدونات الجزيرة
- أيمن المشهداني
- مدرب إداري وقيادي