رحلة وطن في 2023...وراء كل انتصار قصة شجاعة
تجسد رحلة وطن طوال عام 2023 القول المأثور بأن الإنجازات العظيمة غالبا ما تنشأ من التضحيات الكبيرة، والتغلب على الشدائد، وتحويل التحديات إلى فرص. فوراء كل انتصار قصة شجاعة. عندما نتأمل العام الاستثنائي 2023، فإننا نواجه تحديات لا تُنسى وإنجازات ملهمة. لقد اختبر هذا العام قدرتنا على الصمود بطرق غير متوقعة، خاصة مع زلزال 6 فبراير الذي هز شمال غرب سوريا وجنوب تركيا. ولم يقتصر التأثير على المجتمعات التي تخدمها “وطن” فحسب، بل أيضًا على الموظفين المتفانين الذين وجدوا أنفسهم متضررين بشكل مباشر من هذا الزلزال المدمر.
لقد عمقت هذه التجربة المشتركة فهم موظفينا للاحتياجات الفورية والتأثيرات طويلة المدى وعززت تفانيهم في هذه القضية. وعلى الرغم من المخاوف الشخصية على عائلاتهم والخسارة الفادحة لأحبائهم، استجابت الفرق المتفانية وموظفو وطن بسرعة.
واجه العديد من أعضاء الفريق مآسي شخصية عميقة، وفقدوا أفرادًا من عائلاتهم، ومع ذلك استمر تفانيهم ونكران الذات الذي يصعب وصفه.يتكشف هذا الفصل الرائع كدليل على الالتزام الذي يتجاوز الشدائد، وينسج الأحلام، ويعزز الأمل وسط تحديات لا تمحى. إن التدقيق في صفحات هذه الرواية يكشف أصداء المبادرات والانتصارات الإنسانية، مما يوضح قوة هؤلاء الأبطال وتعاونهم والتزامهم الراسخ.
وفي مواجهة الشدائد، أظهر موظفونا مرونة ملحوظة، وواصلوا جهودهم الدؤوبة، وأظهروا قوة التزامنا الجماعي بتشكيل غد أفضل للجميع. وتتردد صدى قصصهم عن التحمل والالتزام مع السرد الأوسع لرحلة وطن حتى عام 2023، وهو عام تميز بالتحديات التي قوبلت بالتعاطف والتصميم المشترك على إحداث تأثير إيجابي.
وبينما نقف على حافة عام جديد، دعونا نتوقف ونتأمل في الفصول الحاسمة لعام 2023 – عام التحديات التي لا تنسى والمبادرات الرائعة. فعلى الرغم من العقبات الهائلة، إلا أن وطن صمدت، وكثفت جهودها الإنسانية، وأعادت التأكيد على التزامها تجاه الأسر التي تكافح في أعقاب الكوارث.
في أعقاب زلزال فبراير/شباط، كانت الاستجابة الأولى لفرق وطن الطبية في مستشفى الأمل كنقطة إخلاء رئيسية. قدمت فرق الرعاية الطبية أكثر من 100 عملية جراحية كبرى وأكثر من 1000 خدمة إسعاف ليلة الكارثة، وتغلبت على التحديات الشخصية لتقديم الدعم والخدمة للجرحى.
كما نجحت فرق وطن في إنشاء 900 وحدة إيواء في المراكز المؤقتة، وبالتعاون مع الجهات المانحة، تم تأمين وحدات سكنية إضافية بشكل عاجل لتلبية احتياجات المتضررين.وفي جنوب تركيا، تم نشر فرق “وطن” بشكل استراتيجي في جميع المناطق والمدن المتضررة. يعملون بلا كلل ليلًا ونهارًا، ليقوموا على وجه السرعة بتوزيع السلال الغذائية الأساسية ومستلزمات النظافة الشخصية على المجتمعات والمخيمات، مثابرين في ظل الظروف المناخية الصعبة.
كما عملت “وطن” لاحقاً وبالتعاون مع مؤسسة كاريتاس الألمانية على تقديم الدعم اللازم للمتضررين من الزلزال، من خلال تقديم خدمات توزيع حاويات القمامة ومستلزمات النظافة. كما تم تركيب ثلاث محطات غسيل في الملاجئ المؤقتة. في الوقت نفسه قدمت “وطن” دعماً مالياً لـ 275 عائلة عبر البطاقات الإلكترونية، وشحنها لمدة 5 أشهر في منطقة غوكسن التركية.
وتجسدت روح التضامن هذا العام خلال شهر رمضان المبارك بشكل استثنائي، حيث شهدت الاستعدادات لاستقبال هذا الشهر الكريم تغيراً جذرياً عن السنوات السابقة. ولم يتم إعداد المنازل بالطريقة التقليدية، إلا أن الخيام المصنوعة من القماش أصبحت المأوى الوحيد للكثيرين خلال تلك الأيام. وفي هذا السياق، أبدت فرق وطن تجاوباً رائعاً مع هذه الظروف الاستثنائية، حيث نظمت وجبات إفطار جماعية في مخيمات شمال غربي سوريا، مما يعكس روح الألفة والتضامن بين العائلات. ولم يقتصر دعمهم على شهر رمضان فقط، بل استمروا في تقديم الدعم للعائلات المتضررة في تلك المناطق، من خلال توزيع السلال الغذائية وتقديم المساعدات المالية في ريف إدلب.
ومع انتهاء شهر رمضان، لم تتوقف الاحتفالات، بل استمرت مع الأعياد، حيث شاركت فرق وطن في إضفاء جو من البهجة والسعادة على حياة الأطفال في المخيمات. من خلال تنظيم حفل ترفيهي، حيث أضاف هذا الاحتفال لحظات لا تنسى وسط الظروف الصعبة التي مروا بها.ومع تصاعد الاحتياجات في شمال غرب سوريا وارتفاع معدل الفقر في هذه المنطقة، قدمت “وطن” دعماً حيوياً للعائلات الأكثر احتياجاً من خلال التبرعات الفردية، إحدى القصص الملهمة هي قصة أم مأمون، وهي أم لسبعة أطفال تعيش في مخيم في شمال سوريا ومن خلال هذا الدعم السخي، قامت المنظمة بدعم أم مأمون في إنشاء كشك صغير لبيع المواد الغذائية والخضروات.
ونتيجة لهذه المبادرة الرائعة تم خلق مصدر دخل مستدام يتيح لها توفير حياة كريمة لأسرتها.بالإضافة إلى ذلك، قامت “وطن” بتوفير كراسي كهربائية لفاطمة وأسماء القاطنين في مخيمات شمال غربي سوريا. وقد استفادوا بشكل كبير من هذه الخدمات، حيث ساهمت في تحسين حركتهم وتفاعلهم مع محيطهم، وخاصة التفاعل الإيجابي مع أقرانهم.
وفي إطار دعمها المستمر، برزت جهود “وطن” بشكل واضح في اتخاذ إجراءات حاسمة لتخفيف العبء عن سكان مناطق شمال غربي سوريا، وخاصة فيما يتعلق بمسألة مياه الشرب. حيث انطلقت هذه الجهود من خلال إعادة تشغيل محطات المياه في مدينة جسر الشغور بعد فترة طويلة من التوقف، كما شملت إنشاء خزانات مياه ذات كفاءة عالية في جسر الشغور وحزانو، بهدف ضمان مصادر مياه دائمة للمنطقة.
وتأكيداً على التزامها بالطاقة النظيفة، اتجهت “وطن” إلى تشغيل محطات المياه باستخدام الطاقة المتجددة، من خلال إنشاء أنظمة طاقة شمسية مبتكرة في جسر الشغور وحزانو. وتتجاوز هذه الجهود المعتاد وتعكس التكامل الفعال بين فرق متخصصة متعددة، بهدف إنهاء المعاناة التي طال أمدها.إضافة إلى ذلك نجحت وطن في تنفيذ أكبر مشروع للصرف الصحي في منطقة حارم حيث تم مد خطوط الصرف الصحي في (أزمرين – حارم – باسنية) مما ساهم في إنهاء معاناة انتشار الأوبئة التي استمرت لسنوات طويلة.وكان من الأهمية بمكان إنشاء مأوى آمن ولائق للعائلات المتضررة من الزلازل أو النازحين بسبب الهجمات المتكررة، حيث يساهم هذا الإجراء في توفير الحماية والراحة للأفراد الضعفاء.
ومن خلال التعاون المستمر مع المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، نجحنا في إنشاء مخيمات متكاملة في مناطق شمال غرب سوريا، تشمل 2131 وحدة سكنية من نوع RHU في 14 موقعاً، بالإضافة إلى 300 وحدة سكنية مصنوعة من الألواح العازلة في مواقع رئيسية شمال ادلب. وتغلبنا على التحديات الأساسية المتمثلة في توفير المأوى، حيث قمنا بتوفير البنية التحتية الشاملة في تلك المناطق، بما في ذلك شبكة المياه والصرف الصحي والإضاءة الليلية وتعبيد الطرق، بهدف توفير بيئة آمنة ومستدامة للنازحين. وكجزء من شراكتنا مع المفوضية، قمنا بتنظيم خدمات توزيع سلال المواد غير الغذائية والملابس الشتوية لأكثر من 50,501 نازح، بهدف تلبية احتياجاتهم خلال موسم الشتاء البارد.
علاوة على ذلك، قمنا بإعادة تأهيل مخيم الوفاق بريف إدلب بشكل شامل، وتنفيذ البنية التحتية بجهود هندسية متقدمة، وتركيب 292 وحدة سكنية مبتكرة مقاومة للحريق كبديل للخيم القماشية لمواجهة برد الشتاء. ومن أجل المساهمة في تحسين نوعية حياتهم بكرامة، شاركنا في بناء “قرية التميز السكنية” التي تضم 50 وحدة سكنية مصنوعة من الخرسانة، بشكل فعال وبالتنسيق الكامل مع جمعية التميز الإنسانية الكويتية.
وفي إطار جهودنا لتعزيز الزراعة المستدامة، قمنا بتنفيذ مشاريع مبتكرة لتخفيف العبء عن المزارعين. وتضمنت هذه الجهود توزيع المدخلات الزراعية الحيوية مثل شتلات الخيار والطماطم والأسمدة العضوية، وقد وصلت هذه المشاريع إلى أكثر من 1000 مزارع. بالإضافة إلى ذلك، قمنا بتوفير الموارد اللازمة لتحسين زراعة أراضيهم وتوليد دخل مستدام. وللحفاظ على شجرة الزيتون كمصدر رئيسي للدخل، أطلقنا مشروع دعم سلسلة قيمة المنتجات الزراعية، من خلال تشكيل جمعيات لدعم مزارعي الزيتون وجمعية نسائية متخصصة في زراعة الخضار. وكان من أهداف المشروع تقديم الدعم لأكثر من 476 مزارع زيتون في ريف إدلب خلال مراحل زراعته المختلفة.
وتجسدت روح الابتكار في مجال الزراعة من خلال إطلاق مشروع الزراعة المائية في ريف حلب، والذي ساهم في توفير الخضار الصيفية بجودة وإنتاجية عالية على مدار العام. ولم تقتصر جهودنا على ذلك، بل قمنا أيضًا بتدريب صغار المزارعين على استخدام هذه التكنولوجيا بطرق فعالة، مما ساهم في تطوير وتعزيز قدراتهم الزراعية. أما في قطاع الثروة الحيوانية، فقد شهد مربو الماشية في ريف إدلب تحولاً فريداً وملموساً خلال حملات التلقيح الميدانية التي نظمتها “وطن” في شهري آذار ونيسان من عام 2023، حيث استفاد من هذه الحملات أكثر من 7532 مربي أبقار وأغنام، كحماية فعالة للحيوانات تم توفيرها وضمان سلامة الموارد الحيوية.
بالإضافة إلى ذلك، قدمت “وطن” الدعم الشامل للمزارعين في منطقة غوكسن التركية، حيث قدمت المدخلات الزراعية والحيوانية لـ 140 مزرعة بقيمة 330 دولارًا. وشملت هذه المدخلات الأسمدة الزراعية والعلاجات البيطرية والأعلاف، مما أدى إلى تعزيز الإنتاج الزراعي وضمان السلامة الغذائية في ثلاث قرى مختلفة.
وفي إطار دعم الوضع الإنساني، أطلقت وطن مشروع توزيع المساعدات النقدية على الأسر المتضررة من الزلزال. تم تخصيص مبلغ 100 دولار لمدة أربعة أشهر لـ 353 عائلة في بلدة تفتناز بريف إدلب، بدءاً من كانون الأول 2023، لتقديم الدعم المالي اللازم لتلبية احتياجاتهم الأساسية. وقبل ذلك نفذت المنظمة مشروع توزيع القسائم النقدية في ريف حلب الشمالي، حيث تم توجيه هذه القسائم إلى المحلات التجارية المتخصصة بتوفير المواد الغذائية الأساسية لكل أسرة، مما ساهم في تحسين الظروف المعيشية وتعزيز الأمن الغذائي في المنطقة.
وبعد تضرر العديد من المنازل في بلدات ريف إدلب، نفذت منظمة “وطن” مشروعاً يهدف إلى تأهيل 248 منزلاً في باتبو وكللي وحزانو. وأتمت الفرق العاملة في المشروع عمليات إعادة التأهيل بنجاح، مما ساهم بشكل كبير في إعادة الحياة الطبيعية للأسر المتضررة. ولم تقتصر جهود الفرق على إعادة تأهيل المنازل، إذ بدأت أيضًا عمليات ترميم خمس مدارس في منطقة صوران أعزاز بريف حلب. ولم تكتف المنظمة بإعادة بناء البنية التحتية للتعليم فحسب، بل ساهمت أيضًا في تنشيط العملية التعليمية التي توقفت نتيجة الأضرار التي لحقت بالمدارس.
وفي سياق الرعاية الصحية، تبرز منظمة وطن كمنظمة رائدة في شمال غرب سوريا من خلال جهودها المبتكرة لإنقاذ الأرواح. وقد تكاملت جهود المنظمة بشكل رائع في مشروع شبكة بنك الدم، حيث قامت بتشغيل مركبات متخصصة مجهزة بكافة المستلزمات اللازمة لجمع الدم. وحققت نجاحاً ملموساً في هذه المهمة الحيوية، حيث نجحت في جمع 19,559 وحدة دم من مختلف الفصائل منذ بداية سبتمبر 2023 وحتى نهاية العام.لكن جهود “وطن” لم تقتصر على نقل الدم فقط، بل ساهمت في افتتاح مركز متخصص لعلاج مرضى الثلاسيميا في مدينة سلقين بريف إدلب. حيث يقدم هذا المركز خدمات نقل الدم وتوفير الأدوية اللازمة لمرضى الثلاسيميا في تلك المنطقة.
كما دشنت المنظمة بنكي دم في منطقة أريحا ومدينة الباب، بهدف تلبية احتياجات المستشفيات من وحدات الدم.ومع تزايد الاحتياجات والحاجة المستمرة لتأمين الأدوية، أطلقت “وطن” مشروع “عافية” في ريف حلب الشمالي. ويتضمن هذا المشروع توزيع قسائم الأدوية على الأشخاص الذين يعانون من أمراض مزمنة في المنطقة، بهدف توفير الأدوية بشكل منتظم ومستمر لهؤلاء الأفراد. وبفضل هذه المبادرات المبتكرة، تبقى وطن رمزًا للإنسانية والرعاية الصحية في المنطقة، وتسعى باستمرار لإحداث تأثير إيجابي وإنقاذ الأرواح بفعالية وفعالية.
لم تقتصر إستجابة وطن الطارئة هذا العام على سوريا وتركيا فحسب ففي سبتمبر/أيلول، تعرض المغرب لزلزال مدمر، أدى إلى تدمير هائل وأجبر العديد من العائلات على الفرار إلى الحدائق العامة. وفي هذا السياق، أبدت “وطن” وجمعية بسمة للسكن بالمغرب الاستعداد التام للتعاون، حيث قامتا ببناء خيم لتوفير المأوى المؤقت للعائلات المتضررة.
واستمرت هذه الجهود الإنسانية في تقديم المساعدات والدعم للمتضررين، محققة إنجازات ملموسة في مواجهة التحديات الإنسانية الملحة.
ومع نهاية هذا العام الاستثنائي، نعول على الأمل والتفاؤل بعام جديد. ولنتذكر دائمًا أننا قادرون على التغلب على التحديات وبناء غد أفضل. نحن ننظر بفخر إلى الإنجازات التي حققناها، ونعد بمواصلة العمل معًا وتقديم الدعم لبعضنا البعض. وفي نهاية هذا الفصل، نتقدم بأطيب تمنياتنا للمستقبل، ونتطلع إلى مزيد من التقدم والازدهار. ونشكر كل من شارك في البناء هذا العام، سواء بالدعم أو التضحية أو بمجرد التواجد هناك. قوتنا لا تكمن في قدرتنا على مواجهة الصعوبات فحسب، بل في قدرتنا على الوقوف والابتسام رغم الظروف. وفي المأساة التي تقف خلفها، نجد القوة في التضامن، ومع كل معاناة تظهر الكرامة الإنسانية والقوة الداخلية. وبهذا نستعد لدخول عام جديد، محملاً بأحلامنا وطموحاتنا، مستعدون لبناء مستقبل أفضل. بفارغ الصبر نودع عام 2023 ونرحب بعام جديد مليء بالأمل والتحديات. دعونا نتحدى الظروف ونبني معًا غدًا أجمل وأفضل.