ما تأثير الأوضاع الاقتصادية في تركيا على الانتخابات المقبلة؟
قبل عام تقريباً من الانتخابات التُّركيَّة المُقرَّر لها يونيو 2023م يُتوقَّع أن يكون للحالة الاقتصاديَّة في البلاد دورٌ كبيرٌ في توجيه النَّاخبين؛ فمن جانبه يسعى الرئيس أردوغان والحزب الحاكم لاستعادة اللِّيرة التُّركيَّة مكانتها أمام الدولار ومُعالَجة آثار التَّضخُّم، فيما تضغط المُعارَضَة من أجل استغلال الوضع الاقتصاديّ الحاليّ لتحقيق الانتصار، فكيف تُوجِّه الأوضاع الاقتصاديَّة أصوات الناخبين؟ وما هو المتوقَّع؟
لا شك أنَّ الظُّروف الاقتصاديَّة في تركيا ستكون عاملاً حاسماً في الانتخابات المُقْبِلَة، فقد تسبَّب تفشّي وباء كورونا ومن بعده الحرب الروسيَّة الأوكرانيَّة في معاناة الاقتصاد التُّركيّ من مشكلات كبيرة، كما حدث في جميع أنحاء العالَم، كما زاد التَّضخُّم مُؤخَّراً في جميع أنحاء العالم لكنَّ آثاره كانت أكثر سلبيَّة في تركيا.
إنَّ رهان الانتخابات الرئيسيّ يدور حول البرنامج الاقتصاديّ الجديد الذي اعتمده الرئيس رجب طيب أردوغان، والذي يعتمد على ارتفاع أسعار الصَّرف وانخفاض أسعار الفائدة؛ بهدف تحويل تركيا إلى مركز إنتاج رائد من خلال زيادة الصَّادرات؛ حيث ترتفع أسعار السِّلع في العالم بوتيرة أسرع من أسعار الصَّرف.
علاوةً على ذلك فقد تعهَّد أردوغان بحماية أموال شعبه بعد ارتفاع الدولار أمام اللِّيرَة، بعد أن انخفضت اللِّيرَة بنسبة 30٪ أمام العملة الاحتياطيَّة العالميَّة في 21 ديسمبر الماضي، وإن نجاح تلك الخطة والتَّعهُّدات من المؤكَّد أنه سيدفع بالرئيس التركيّ وحزبه الحاكم للانتصار في الانتخابات المُقْبِلَة.
على الرغم من الانتقادات الشَّديدة لسياسة أردوغان الاقتصاديَّة غير التقليديَّة، لكن يبدو أن أرقام الصادرات التُّركيَّة الأخيرة تدعم النهج الجديد؛ حيث سجلت تركيا خلال العام الماضي أعلى زيادة في حَجْم صادراتها عبر تاريخها، بزيادة الصَّادرات بنسبة 33.44 في المائة سنوياً لتصل إلى ما يقرب من 21.5 مليار دولار.
بالإضافة إلى ذلك فقد ربط صندوق النَّقد الدوليّ مُعدَّل نُمُوّ تركيا في عام 2021م عند تسعة بالمائة في الربع الثاني من عام 2021م، وفقاً لبيانات مُنظَّمة التعاون الاقتصادي والتَّنمية؛ حيث أصبحت تركيا ثاني أسرع دولة نُمُوّاً بين أعضاء منظَّمة التعاون الاقتصادي والتَّنمية.
بالطبع إنَّ نجاح السِّياسة الاقتصاديَّة الجديدة لتركيا يعني نجاحاً لسياسة أردوغان وأفكاره المستقاة من الشَّريعة الإسلاميَّة بضرورة تَصْفير أسعار الفائدة، وهذا يعني جَذْب أصوات الإسلاميين والمحافظين، كما يُمثّل النَّجاح الاقتصاديّ في حدّ ذاته حافزاً كبيراً لطوائف عديدة من الشَّعب التُّركيّ للتصويت له.
قبل عام من الانتخابات وعد حزب العدالة والتنميَّة بأن تُؤتي بعض مشاريعه الكبيرة ثمارها، مثل إنتاج سيارة توج TOGG، وهي أوّل سيارة إنتاج محلّيّ في تركيا، وافتتاح قناة إسطنبول، وهي مَمَرّ مائيّ على مستوى البحر يربط بين البحر الأسود وبحر مرمرة، وكلّها أمورٌ تَعِدُ بمستقبل اقتصاديّ مزدهر.
كما يَتوقَّع الحزب الحاكم ظهور نتائج إيجابيَّة أخرى من برنامجه الاقتصاديّ الجديد، الذي يعتمد على خَفْض سعر الفائدة لتشجيع الإنفاق والاستثمار، وهي إجراءات قد تُسْفِر عن نتائج ملحوظة خلال الصَّيف الحاليّ؛ بشرط هدوء الأوضاع في أوكرانيا ومنطقة البلطيق.
قد يستفيد الحزب الحاكم أيضاً من زيادة الحد الأدنى للأجور بنسبة 50٪، والذي رفَع عن كاهل العائلات التُّركيَّة آثار التَّضخُّم وانخفاض قيمة العُمْلة، كما يُتوقَّع أيضاً أنْ يساعد الغاز الطبيعيّ المكتشف حديثاً في البحر الأسود وشرق المتوسّط على تعافي أنقرة من آثار الأزمة التي سبَّبتها الحرب الرُّوسيَّة الأوكرانيَّة.
في المقابل تسعى المُعارَضَة لاستغلال الظُّروف الاقتصاديَّة وضِيق الفترة الزمنيَّة، فلم يتبقَ سوى عام واحد، والأوضاع الاقتصاديَّة والسياسيَّة مأزومة، وهو ما يُقلّل من فُرَص نجاح الخطة الاقتصاديَّة الجديدة للحزب الحاكم، والذي في حال تمكَّن فقط من تثبيت توقُّعات التَّضخُّم في ظل تلك الظُّروف فهناك احتمال بنجاحه.
في النهاية يصعب توقُّع توجُّهات الاقتصاد نظراً لحالة عدم اليقين التي تسيطر على الأسواق، في ظلّ الحرب بأوكرانيا، والعقوبات الاقتصاديَّة المُتبادَلة بين روسيا والغرب؛ إلَّا أنَّ مُؤشِّرات النجاح "المبدئيَّة" لسياسة أردوغان الاقتصاديَّة قد تُرجّح كفّته أمام مُعارَضَةٍ لم تَتوَحّد على موقفٍ سياسيّ أو اقتصاديّ واضح.
المصدر : ترندز للدراسات الإقتصادية