ما الذي يدفع معلمات في إدلب للبحث عن مهن بديلة
لم تتوقع سلوى العلي (27 عامًا) أن تتجه بعد إنهاء دراستها الجامعية في قسم الأدب العربي لوظيفة تبتعد فيها كليًا عن مجال دراستها وطموحها في تنشئة الأجيال، والتحول إلى موظفة مراقبة وتقييم في إحدى منظمات المجتمع المدني، بدل التدريس الذي صار تطوعيًا بعد افتقاره إلى الدعم في كثير من الأحيان.
تأقلمت سلوى مع عملها الجديد الذي اختارته بعد تطوعها في مجال التدريس لأكثر من عامين دون حصولها على أجر أو حتى بدل مواصلات، ما اضطرها تحت ضغط أوضاعها المادية الضعيفة وحاجتها إلى مقابل مادي، تُعين به نفسها وأطفالها الثلاثة بعد وفاة زوجها، لترك مجال التدريس والتحاقها بدورات الدعم النفسي والمراقبة والتقييم وإدارة الحالة وغيرها من التدريبات المطلوبة لشواغر المنظمات الإنسانية والإغاثية، وفق ما قالته لعنب بلدي.
وأضافت الشابة أن “الحظ حالفها” حين قُبلت في إحدى المنظمات الإغاثية، وعملت معها ضمن عقد قابل للتمديد مقابل راتب شهري وصفته بـ”الجيد” مقارنة مع عملها السابق في التدريس.
لم تعد مهنة التدريس على سلوى بأي مقابل مادي، وإن كانت “الأحب” إلى قلبها، والأكثر دعمًا معنويًا لها حين تشعر بأهمية عملها في “تعليم الطلاب أبسط حقوقهم بالعلم والمعرفة وإنقاذهم من الجهل والأمّيّة”، وفق تعبيرها.
وتابعت سلوى، “ليست باليد حيلة، فأنا أيضًا بحاجة إلى دعم يساعدني وعائلتي على الاستمرار في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي نعيشها”.
سلوى لم تكن الوحيدة، إذ دفع انقطاع الرواتب وقلتها وتوقف الدعم عن القطاع التعليمي بكثير من المعلمات إلى الابتعاد عن عملهن في التدريس، والبحث عن فرص أخرى للعمل وإن لم تكن ضمن اختصاصهن.
من جهتها، أرجعت المدرّسة فاطمة الحسن (25 عامًا) ابتعادها عن عملها كمدرّسة والعمل كموظفة استقبال في أحد المستشفيات بمدينة الدانا شمالي إدلب، إلى ما وصفته بـتهميش المعلمين “المتعمد” في الآونة الأخيرة، وتفاوت رواتب وأجور العاملين في القطاع التعليمي.
وقالت لعنب بلدي، إنه في الوقت الذي يتقاضى فيه معلمون في المدارس المدعومة من المنظمات 400 إلى 500 دولار أمريكي، لا يزال راتب المدرّس في وزارة التعليم التابعة لحكومة “الإنقاذ” لا يتجاوز 120 دولارًا، وأحيانًا أقل، وفي غالب الأحيان يكون عمله تطوعيًا ودون أي مقابل مادي.
وأضافت المدرّسة أن “الواقع والواجب” تحديان يحتّمان على المعلمات الاختيار بينهما، فالتعليم مهنة إنسانية، بغض النظر عن كل التبعات، تسهم في إنشاء جيل متأهب للوصول إلى طموحاته وتحقيق النجاح، وخاصة بعد ما مر به الجيل السوري على مدى عشر سنوات من الحرب والدمار، وأكثر ما يحتاج إليه في هذه الفترة إصلاح القطاع التعليمي وتعزيز نموه وتطوره ومن كل النواحي.
لكنها من جهة أخرى تبرر انسحاب المعلمة من مهنة التدريس “لحقها في العيش بكرامة”، فهي لا تستطيع العمل دائمًا دون دعم، وخاصة أنها صارت المعيلة لعائلتها بعد مقتل الزوج أو غيابه، وهي المعنية بتأمين احتياجات عائلتها ودفع إيجار المنزل وفواتير الماء والكهرباء وغيرها وسط ظروف “مأساوية” تشهدها المنطقة في ظل النزوح والغلاء والفقر.
بدوره، لا يلوم الموجّه التربوي عارف الأحمد (39 عامًا) المعلمات اللواتي يتجهن إلى مهن أخرى لتحسين واقعهن المعيشي.
وقال الموجّه لعنب بلدي، “كلنا نعرف الأوضاع الصعبة التي يمر بها المدنيون في إدلب. إن لم يعمل الشخص فلن يجد من يدخل على عياله برغيف من الخبز، ولذا لا يمكن وسط هذه الأوضاع أن نوزع مواعظ وأحكامًا وأن نتغاضى عن كل ما يحدث من مآسٍ”.
ودعا الأحمد الجهات المسؤولة إلى العمل على تأمين رواتب جيدة للمعلمين والمعلمات على حد سواء، والعدل في توزيع تلك الرواتب، ما يشجع المعلمات على المضي في مهنتهن الإنسانية دون منغصات من شأنها أن تؤثر على أدائهن وعطائهن “اللامحدود”.
وتعتبر زيادة أعداد المدارس غير المدعومة من أكبر التحديات التي تواجه التعليم في إدلب، فهي لا تحصل على بيئة تعليمية ملائمة، ويصل عددها إلى أكثر من 75% من إجمالي المدارس القائمة التي تفتقر للكوادر المؤهلة واللوجستيات الأساسية للتعليم.
وحذر رئيس دائرة التعليم في مديرية التربية والتعليم بإدلب، محمود الباشا، من ضعف الدعم ومحدوديته، وما لذلك من آثار سلبية تتمثل في إفقاد العملية التعليمية استقرارها من خلال عدم التزام الكوادر التعليمية بالدوام حتى نهاية العام برواتب قليلة وغير دائمة.
وكان نقص الكادر التعليمي هو أبرز أسباب حرمان الأطفال من الدراسة، وفق دراسة لمبادرة “HEACH“، نُشرت في أيلول 2019، إذ افتقدت 50% من المناطق المشمولة بالدراسة في شمال غربي سوريا للطاقم المؤهل الكافي.
المصدر : عنب بلدي