كيف تحوّلت سرمدا شمال إدلب إلى بوابة سوريا للعالم الخارجي؟
تحدثت دراسة نشرها مركز "مالكوم كير-كارنيغي" للشرق الأوسط، في الشهر الماضي، عن تحوّل مدينة سرمدا شمال محافظة إدلب شمالي سوريا، الواقعة على مقربة من معبر باب الهوى الحدودي، والتي لطالما حجبتها عن الأضواء أهمية مدينة حلب، إلى مركز تجاري يربط جزءاً من الاقتصاد السوري بالأسواق التركية وبالتالي العالمية. وأفادت الدراسة التي كتبها "أرميناك توكماجيان, وخضر خضّور"، بأنَّ المنطقة الفاصلة التي تشمل سرمدا وباب الهوى "ظاهرة غير مألوفة"، فهي ليست منطقة حدودية تقليدية تفصل بين دولتَين سياديتين، على الرغم من أنها تستوفي فعلياً هذا الدور
ولا هي منطقة حرّة أنشأتها دولتان سياديتان لتسهيل التجارة، علماً بأنها تؤدّي هذا الدور أيضاً، بل يمكن النظر إلى ظاهرة سرمدا/باب الهوى على أنها بوّابة متعددة المنافذ نشأت بصورة طبيعية، أي وُلدت من رحم الظروف القائمة أكثر منه عن سابق تصوّر وتصميم، بين المنظومات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المختلفة في تركيا وسورية. فمن الناحية الاقتصادية مثلاً، تُعدّ سرمدا/باب الهوى بمثابة صلة وصل بين المنظومة المالية/المصرفية الواضحة المعالم والمعترَف بها دولياً في تركيا وسائر أنحاء العالم، وبين المنظومة المالية/المصرفية الغامضة نسبياً في إدلب، والتي يديرها أفرقاء غير دولتين وتفتقر إلى إطار تنظيمي واضح. وتُستكمَل الأهمية الاقتصادية لمنطقة سرمدا/باب الهوى من خلال دورها كبوّابةٍ من نوعٍ آخر تتيح التنقّل المتكرر عبر الحدود ذهاباً وإياباً لأشخاص غير معنيّين بالتجارة. في الواقع، تتعزّز ظاهرة سرمدا/باب الهوى من خلال العامل الذي أدّى إلى ظهورها في المقام الأول، وهو انتقال ملايين السوريين مؤخرًا للإقامة في مناطق على مقلبَي الحدود وبمحاذاتها تمامًا.
صحيحٌ أن المجموعتَين السكنيتين تقطنان الآن في منظومتين مختلفتين، ولكنهما تتشاركان أصولاً جغرافية واجتماعية عامة كونهما تتحدّران من المنطقة الواقعة شمال غربي سورية، ما يتيح لهما تجاوُز مختلف أشكال الحدود، بما في ذلك الحدود الدولية. وتكمن فرادة هذه البوّابة المتعددة المنافذ في عدم ممارسة أي فريق سيطرةً محكمة عليها، فتركيا مثلاً، وهي الجهة الدولية الوحيدة ذات الحضور القوي على الأرض في إدلب، تمارس نفوذاً في المنطقة ولكنها لا تتمتّع بسيطرة محكمة هناك. وينطبق هذا الأمر أيضاً على هيئة تحرير الشام التي تحكم الجزء الأكبر من إدلب بالمعنى الجغرافي المباشر، والتي تعدّت على منطقة سرمدا/باب الهوى وحصدت بعض المنافع، لكنها أحجمت عن ممارسة سيطرة كاملة على المنطقة، لأن هكذا خطوة قد ترتدّ بنتائج عكسية عليها.
قد تكون بوّابة سرمدا/باب الهوى شريان حياة حيوياً، ولا سيما لسكّان إدلب، ولكنها تبقى "هشّة" بسبب أنه على الرغم من الدعم الذي يؤمّنه لها ملايين السوريين على جانبَي الحدود، يعتمد وجودها إلى حدٍّ كبير على معطيات سياسية أوسع ليس للأفرقاء المحليين سوى تأثير ضئيل عليها. ففي الواقع، إذا لجأت روسيا ونظام الأسد إلى التصعيد العسكري، أو إذا جرى التوصّل إلى اتفاق سياسي ينص على استعادة النظام سيطرته على المنطقة، مثلما حصل في المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة الثوّار في جنوب سورية في صيف 2018، فسوف يسفر ذلك عن إحكام الخناق على سرمدا/باب الهوى. وحتى إعادة تنظيم المساعدات الإنسانية عبر الحدود قد تؤدّي إلى النتيجة نفسها، ولا سيما إذا تمكّن النظام من التحكّم بهذه العملية. فبوّابة سرمدا/باب الهوى التي تحوّلت بين ليلة وضحاها إلى مركز اقتصادي يُعوِّل عليه جزء أساسي من الاقتصاد الحربي في شمال غرب سورية، قد تنهار بسرعة وتوقد معها شرارة انهيار المنظومة التي نشأت في إدلب في زمن الحرب.