شكراً إعاقتي.. منهجية إدارة الحالة 2 منظومة وطن
فراس جمعة.. ريم زيدان
إن مجتمعاتنا العربية مجتمعات تفتقر إلى فهم من هم محدودي القدرات، من نصفهم بذوي الاحتياجات الخاصة أو المعاقين، فإنه قد يخيل لنا أن هؤلاء ليسوا قادرين على القيام بحاجياتهم الشخصية فكيف لهم النهوض بأمة ؟!
وقد نسينا بأن الإعاقة هي إعاقة الفكر وليست إعاقة الجسد ، وأحياناً يمكن أن تصنع الإعاقة معجزات إذا ما اقترنت بإرادة صلبة، والتاريخ العربي والعالمي قد عرف الكثير من الشخصيات الناجحة من ذوي الاحتياجات الخاصة.
ومثال ذلك ستيفن هوكينغ، عالم الفيزياء النظرية البريطاني الراحل حيث قال :
"نصيحتي للآخرين من ذوي الاحتياجات الخاصة هي التركيز على الأشياء التي لا تُعيق إصابتكم عن فعلها بشكل جيد، ولا تشعروا بالألم في التخلي عن الأشياء التي تمنعكم الإعاقة عن فعلها ، لا تجعلوا إعاقتكم تمتد إلى أرواحكم كما وصلت إلى أجسادكم"
وايماننا منا بقدرتهم على أن يكونوا أفضل منا ، ولذلك سنسلط الضوء على بعض هذه الحالات ضمن مقالات متسلسلة تم اكتشافها ضمن الخدمات التي تقدمها منظومة وطن في قسم إدارة الحالة ضمن المدارس التابعة لها، والتي تكلمنا عنها في مقال سابق، حيث تحدثنا عن تعريف إدارة الحالة ، وكيف تتعامل معها منظومة وطن داخليا وخارجيا.
الحالة رقم 1
بطلة قصتنا " حنين"
قصة طفلة تحدت الحياة بعين ونصف العين منذ نعومة أظفارها .
يقول لسان حالها: " لا تبك يا أمي، سوف أحيا بعين واحدة إن لم يستطع أبي علاجي "
مثل زهرة تملأ زوايا المنزل عبقا وعطرا، صغيرة بريئة ، تحمل كل سلام العالم في عينيها الساحرتين، والآن تغير الحمل ليكون لها النصيب الأوفر من اسمها (حنين)، إنها الطفلة ابنة الثمانية أعوام, التي لم تستطع عينيها الخضراوين مقاومة شظايا زجاجة عصير كانت تشربها قبل أن انفجرت بين يديها عقب إحدى غارات الطيران التي طالت شرفة منزلهم وذلك في قريتها في ريف ادلب الشرقي .
مزق الزجاج أعصاب عين حنين اليمنى من الداخل وأجرى لها الأطباء عمليتها الأولى على أن تبقي رأسها مقلوبا إلى الخلف لمدة خمسة عشر يوما من أجل أن تثبت خيوط العملية في عينها.
محرومة من اللعب بين أقرانها ممنوعة من القفز وممارسة حياتها الطبيعية، هكذا أمضت حنين سنة كاملة بعد أن منعها الطبيب من كل ذلك حرصا على عدم انفلات خيوط العملية داخل عينها.
غريبة أصبحت تمشي بين أصدقائها بعد أن أصبح الكثير منهم ينادونها بألقاب مؤذية، وحيدة تمضي وقتها باللهو داخل باب منزلها بعد أن تقفله على نفسها خوفا من رؤية أصدقائها الذين أسرفوا في سخريتهم منها، ولكن ذلك غرس في نفسها رغبة في التحدي والتجاوز، فتجدها غارقة مع ألعابها وحيدة مع دمى لا تنعتها بألفاظ تؤذيها، كباقي بعض البشر .
دخلت حنين المدرسة، بعد النزوح من قريتها الى إحدى مخيمات الشمال السوري في خيمة كل ما فيها بارد حزين، ولكن ليس ككل الأطفال كان دخولها ، دخلت بعين ونصف يشع من خلالهما ألم وخوف من مضايقات صديقاتها.
كانت ذكية وسريعة البديهة وقوية الإرادة، أبلت بلاء حسنا في المدرسة، فقد استطاعت الحصول على الدرجة الأولى ، ونالت العديد من شهادات الامتياز في مواد الرياضيات واللغة العربية بالرغم من أن الرؤية لديها باتت تنقص يوما بعد يوم حتى أصبحت الان لا ترى بعينها سوى 5% بالمئة.
حنين طفلة موهوبة، زادتها التجربة نضجا في عمر باكر، ويؤذيها كثيرا موقف إحداهن حين تفتح عينيها بوسعهما أمامها وتخبرها أنها عاجزة عن فعل ذلك.
تقوم منذ ساعات الصباح الباكر بقضاء وقتها في الرسم والأشغال اليدوية محاولة التمعن بعين واحدة كما تقول والدتها، متخطية بذلك مراحل طفولتها إلى ما بعدها، تحاول الترويح عن نفسها متجاوزة بذلك تعليمات الطبيب لها بعدم الانحناء إلى الأمام كثيرا.
تقول حنين لمعلمتها في المدرسة:" أريد أن أدخل السعادة إلى قلب والديَ بنجاحي ، يكفيهم أنهم تحملوني بعجزي "
وعلى هذا الحال ما زالت تنتظر حنين الشقراء الصغيرة موعد عمليتها المقبلة والتي لا يعلم والداها كيف ومن أين سيحضران تكاليفها ؟! ....
أجبرتها الإصابة بأن تسبق عمرها، هكذا تحيا حنين ، أيامها امتلأت رغبة بتعويض ما فقدت، امتلأت قوة ونجاحا ولكن ... بعين واحدة وليس باثنتين "
وحلمها يتحقق بتأمين تكاليف العمل الجراحي فقط