طريقة مونتيسوري: تعليمٌ يصنع المُبدعين!
“معظم الأشخاص المبدعين المُنجزين لا يبدأون بالأفكار العبقرية. ولكنهم يستكشفونها” – بيتر سيمز
تخيّل نظام تعليمي يدرب الأطفال على الإبداع والإبتكار ومهارات القيادة، بدون استخدام نظام التقييم والدرجات الاعتيادية، بدون اختبارات ولا واجبات منزلية، ولماذا تتخيل؟! النظام موجود بالفعل ويسمى طريقة مونتيسوري.
طريقة مونتيسوري للتعليم هي طريقة تطوّر لدي الطلاب حب التعليم والسعي نحو الاحتراف الذاتي للتخصص عبر تعليمهم الاستقلالية في التعلُّم بحيث يتوصلوا لأقصى درجات الإبداع لديهم.
تركز طريقة مونتيسوري في التعلم على تعزيز تجربة تعلُّم مليئة بالتشاركية والتعاون، الاستمتاع والاستقلالية، تُعلَِّم الأطفال أن يبدأوا بأفكارهم البسيطة والبناء عليها عبر التجارب والاختبارات، ما يُعزز لديهم روح المخاطرة والمبادرة لحل المشاكل التي ستقابلهم عبر الرحلة التعليمية، ما يحفز لديهم الفضول.
واحدة من أهم أبرز السمات التي تبرزها طريقة مونتيسوري هو تشابهها مع مبادئ (افشل سريعاً، افشل للأمام.. افعلها بنفسك)، وهي مبادئ عقلية المخترق أو المقرصن، التي تأسست نتيجتها أكثر الشركات ابتكارًا بوادي السيلكون.
حتى أنها تتشابه مع أُطر العمل الحديثة في المشاريع الناشئة مثل منهجيات التطوير السريعة Agile development، ومنهجيات بناء المشاريع المرنة lean startup methodology.
الكثير ممن يؤمن بأنه لكي تصبح مبدع ومبتكر أفضل يجب أن تدرس مبادئ مونتيسوري للتعليم، وبالرغم من ذلك فإن هذه المبادئ قد تكون أكثر من واضحة ومتسقة مع طبيعة الأطفال أنفسهم في التعلم. السبعة مبادئ التي يتصف بها تعلُم الأطفال صغارًا وكذلك الكبار إذا أرادوا اكتساب مهارات الابتكار والإبداع هي..
الاستقلالية
المسؤولية
الإلتزام الذاتي
القيادة
المبادرة
الأكاديمية
التعلم مدى الحياة
مونتيسوري وأهمية التَعلُّم مدى الحياة
مع معدل التغيُّر الذي يشهده العالم الآن وكمّ الفرص الجديدة المتاحة، والتي صنعتها التقنية والابتكار، فإن التعلم مدى الحياة يصبح ضرورة لمواكبة هذه التغيرات
في أغلب نُظم التعليم الموجودة الآن ستجد الطلبة تردد جملًا مثل .. هل هذا ضمن المنهج، هل سيأتي هذا الجزء بالاختبارات، هل هذه الواجبات ضمن درجات أعمال السنة، وهكذا حتى تبدل التعليم من كونه عملية أساسية ومستمرة لدى البشر كالأكل والشرب إلى عملية حياتية مؤقتة نتلهف للإنتهاء منها والانتقال للمرحلة التالية.
ها هي محاضرة من تيد وتعتبر أكثر محاضرات تيد مشاهدة (37 مليون مشاهدة) بعنوان “كيف تقتل المدارس الإبداع“، يجادل فيها كين روبنسون بأنه لكي يزدهر اقتصاد القرن الواحد والعشرين فإن أهم المهارات التي يجب تنميتها هي الاستقلالية، الفضول، والذكاء الاجتماعي، خاصةً أن هذه المهارات تُعتبر الأهم في الوظائف مرتفعة الرواتب في ظل اقتصاد قائم أساسًا على المعرفة.
معظم إصلاحيون التعليم مُتفقون أن نظام التعليم العام لا يقوم بتعليم الطلاب كيف يبتكروا. لكن المشكلة الرئيسية أن في بيئة تعليم تشجع الإجابات الصحيحة ضمن إختبارات مُوحَّدة، يصبح الفشل غير مرحب به، بخلاف المطابقة (إجابات كما ينص الكتاب) والتي تعتبر من علامات النبوغ بهذا النظام التعليمي.
ما الفرق بين طريقة مونتيسوري ونُظم التعليم الحالية
دعني أخبرك قصة قصيرة عن امرأة اضطرت لإخراج طفلها من مدرسة تتبع طريقة مونتيسوري وتحويله لأخرى عادية، يوم بعد يوم لاحظت المرأة شيئًا غريبًا بطفلها، لاحظت أن البريق في عينيه بدأ يخبو. لم تتكلم عن درجاته! لم تتكلم عن التقييم السنوي! كل ما لاحظته أن الشعلة والرغبة في التعلم بدأت تخبو لدى طفلها.
المدراس والأنظمة العادية تعتقد أن الأطفال تحتاج محفزات للاستمرار في التعلم. الدرجات والنجوم والتقييم السنوي وغيرها، إذا لم يستجيبوا ولم يستمروا في التعلُم يجب معاقبتهم، درجات سيئة، الطرد من الفصل .. إلخ.
طريقة مونتيسوري تعتقد العكس، الأطفال لا يجب أن يُجبروا على التعلم، في الحقيقة أن الأطفال بطبيعتهم يحبون التعلم، يلمسون كل شيء، يرفعونه، يفككونه، وحتى يقومون بتكسيره. كل هذا بدافع الفضول والمعرفة.
ليس بالعجيب تلك الشائعة أن الطفل الفلاني أذكى طفل بالعالم حتى يدخل المدرسة، فهو يتحول من طفل نشيط، مُنجز، متعاون إلى تلك النسخة التي تسأل “هل سنأخذ درجات على هذا”.
طريقة مونتيسوري كل ما تفعله هي أنها تزيد من هذه الشعلة الموجودة للتعلُم، إنها تزيد من التفكير الحر، بدلا من التفكير المُقيّد، إنها تشجع من ابتكار الجديد بدلًا من التقيُد بالموجود. تفعل كل ذلك بدون الاستعانة بالدرجات والتقييمات.
كيف تفعل ذلك؟
من بين العديد من النقاط إليك اثنتان، الأولى وهي الفصول مختلطة الأعمار، مثلا فصل يحتوي تلاميذ من سن الثالثة إلى السادسة، ومن السادسة للتاسعة، والتاسعة للثانية عشرة وهكذا.
هذه الفصول تسمح للأطفال الأكبر عمرًا بأن يتعلموا القيادة والتدريب والمساعدة في تعليم الأصغر سنًا، في حين أن الأطفال الأصغر ستكون لديهم خبرة التعلم مع الأكبر سنًا. وليس دور المعلم هنا أن يقف بجانب السبورة يشرح مع ضمان أن يفهم العشرون تلميذًا ما يقول بنفس الطريقة.
بل يتحرك المعلم بجوانب الفصل، يعمل مع الطلبة على إيجاد الحلول واختبار المشكلات التي يواجهونها، واحدًا لواحد، أو ضمن مجموعات صغيرة. مثلًا يعطي طفلًا أصغر عملية جمع والأكبر عملية ضرب ثم يتناقشوا بالنتائج.
كل طفل لن يعرف فقط ما الذي سيتعلمه في المستقبل القريب وعلاقته بما تعلمه بالماضي، ولكن أيضًا سيتعلم لماذا يتعلمون ما يتعلمونه ويصل للصورة الكبيرة للموضوع الذي يدرسه. حتى يزيد هذا كله من رغبة واهتمام الطفل في التعلم والاستمرارية والانتقال للنقطة التالية.
الاستفادة من هذا الاهتمام وتحفيزه أكثر وأكثر، معلمة لطريقة مونتيسوري أخبرت أنها بعدما كانت تُعلّم الأطفال القسمة المطولة وشرح بعض الأمثلة لاحظت طفلة صغيرة تقوم بحل مسألة بسيطة من تأليفها، وكلما وجدتها سهلة زادت رقمًا للمقسوم، حتى تزايد الرقم من المئات، الألاف، عشرة ألاف، مائة ألاف وحتى الملايين والمليارات، ولم يعد في الورق متسع لحل البقية، ماذا فعلت المعلمة؟
أسرعت المعلمة بجلب ورق إضافي وبعض اللصق للطفلة، ثم بدأت الطفلة بزيادة الأرقام من جديد. بعدما أخبرت الطفلة المعلمة أنها انتهت، مدت المعلمة سلسلة الورق المتصلة باللصق لأعلى حتى وصلت أول ورقة للسقف وآخر ورقة تلامس الأرض.
الأطفال مع طريقة مونتيسوري يتبعوا اهتماماتهم وشغفهم، أينما اتجه هذا الاهتمام والشغف، هل يمكنك تخيل مدى المهارات التي تعلمتها الطفلة بالقيام بحل مسألة مثل هذه في الثامنة من عمرها، هل يمكنك تخيُل تلك النظرة على وجهها بعدما أنجزت حل المسألة.
سر سيليكون فالي للإبتكار: طريقة مونتيسوري
العنوان الفرعي السابق ليس مبالغة، فالعلاقة بين طريقة مونتيسوري وأصحاب كبرى الشركات بسيليكون فالي قوية جدًا..
يسخر البعض من مصطلح مافيا باي بال، والمقصود به مؤسسو باي بال وتأثيرهم في سيليكون فالي، فثلاثة منهم تخطت ثروتهم المليارات (إيلون ماسك صاحب تسلا وسبيس إكس، بيتر ثيل من أوئل المستثمرين في فيسبوك ومعه ريد هوفمان مؤسس لنكدإن ) وباقي أعضاء المافيا .. كونوا جميعهم شركاتهم الخاصة. إلا أنه يمكن القول أن بيننا مافيا مونتيسوري كذلك.
لاري بيج وسيرجي براين، مؤسسا جوجل كانا قد سؤلا بلقاء تلفزيوني عام 2004 عمّا إذا كانت ولادتهم من قبل والدين حاصلان على درجة الدكتوراة عامل رئيسي في نبوغهما. وبدلًا من الإقرار أشاروا أن من أهم العوامل هي تعلمهم بطريقة مونتيسوري ” كلانا ذهبنا لمدرسة مونتيسوري” كما قال بيج.
ويتابع “أعتقد أنها كانت جزء من التدريب على عدم اتباع القواعد، والتحفيز الذاتي، والفضول عما يجري بالعالم، وفعل الاشياء بطريقة مختلفة قليلًا”.
المُلاحظ من مسيرة نجاحهما أن رؤية جوجل لم تبدأ بكونها (تنظيم معلومات العالم) بل كانت مجرد مشروع لتحسين البحث بجامعة ستانفورد، وهذا ما يدفعني لنصحك بقراءة المقولة ببداية المقال مجددًا.
ذهب جيف بيزو مؤسس أمازون أيضًا لمدرسة تتبع نظام مونتيسوري، ويل رايت مخترع لُعبة الفيديو الأكثر مبيعا “the sims”، جيمي والاس مؤسس ويكيبيديا، والمخترع الأمريكي توماس إيديسون والذي بطريقة ما يعتبر الأب الروحي لثقافة أمريكا الإبتكارية يقول عن طريقة مونتيسوري “إنها تعلمك عبر اللعب، تجعل التعلم أكثر متعة .. إنها تتبع نفس الحدس الطبيعي الموجود لدى الإنسان”. كل هؤلاء تعلموا بطريقة مونتيسوري.
هل تريد أن تتعلم بطريقة مونتيسوري؟
نحن أسهبنا بالكلام ونسينا أن نذكر من هي مونتيسوري، لمن كان يعتقد أن الاسم لرجل ياباني مثلي، فاعتقادك خاطئ إنها امرأة إيطالية ذات سيرة تستحق الاهتمام.
كذلك فإن جميع كتبها متاحة للجميع، إذا أردت أن تتعلم المزيد عن الطريقة فأفضل كتبها مبيعا هي (The Montessori Method – Dr. Montessori’s Own Handbook – The Absorbent Mind) ، وجدير بالذكر أن بعض كتبها تُرجمت إلى العربية لكني لم أفلح بالعثور عليها عبر الويب.
وإذا أردت نصيحتي لتتعلم بهذه الطريقة فكل ما عليك هو أن توقظ الطفل الذي بداخلك وتبدأ بالحفر في أعماقك عن اهتماماتك وما تريد أن تتعلم. لا تعتاد على تجميع المصادر من مواقع ودورات من هنا وهناك، ربما موقع واحد ستجده بالصفحة الرئيسية بمتصفحك هو كل ما ستحتاجه. ابدأ بالتعلم، كسِّر بعض الأشياء، افشل كثيرًا، شارك ما تعلمته من فشلك، وقم ببناء مسارك الخاص للتعلم.
2019-05-22
المصدر: AraGeek - أراجيك