ماذا نعني بالمسؤولية الاجتماعية
تعدّ المسؤولية الاجتماعية ركنًا أساسيًا وهامًا في حياة المجتمعات، وبدونها تصبح الحياة فوضى وتشيعُ شريعة الغاب، حيثُ يأكل القويُّ الضعيفَ، وينعدم التعاون، وتغلب الأنانية والفردية.
ينقسم المقال الذي بين أيدينا إلى ثلاثة أقسام وهي على النحو الآتي:
التعريف العام والاصطلاحي لمفهوم المسؤولية الاجتماعية.
أهمية المسؤولية الاجتماعية.
البعد الأخلاقي للمسؤولية الاجتماعية.
أولًا: التعريف العام لمفهوم المسؤولية الاجتماعية
إن المسؤولية بمعناها العام تعني إقرار الفرد بما يصدر عنه من أفعالٍ، واستعداده لتحمل نتائج هذه الأفعال، فهي القدرة على أن يُلزم الفرد نفسه أولًا، والقدرة على أن يفي بعد ذلك بالتزاماته الاجتماعية بواسطة جهوده الخاصة وبإرادته الحرة.
التعريف الاصطلاحي لمفهوم المسؤولية الاجتماعية:
يُعرِّفها معجم العلوم الاجتماعية على أنها: تبعة أمر ولها شروط وواجبات، ويتضمن مفهوم المسؤولية الاجتماعية الحقوق والواجبات. (1)
بينما تُعرِّفها إمام حميدة بأنها: استعدادٌ مكتسب لدى الفرد يدفعه للمشاركة مع الآخرين في أيّ عملٍ يقومون به، والمساهمة في حل المشكلات التي يتعرضون لها، أو تقبّل الدور الذي أقرته الجماعة له والعمل على المشاركة في تنفيذه. (2)
أستطيع القول بأن المسؤولية عمل ملزم نابعٌ من داخل الفرد نفسه، ولا يكلف بها أي شخص وإنما من يتمتع بالحرية الكاملة التي تلزمه في القيام بالأعمال والمسؤوليات الملقاة على عاتقه حتى يستشعر حجم المسؤولية التي كُلفّ من أجلها، ومن هنا تكمن أهمية المسؤولية الاجتماعية داخل أي مجتمعٍ من المجتمعات.
ثانيًا: أهمية المسؤولية الاجتماعية
تنبع أهمية المسؤولية الاجتماعية في أي مجتمعٍ من المجتمعات من النتائج المرجوة التي يسعى الأفراد والجماعات والمجتمع إلى تحقيقها.
أهمية المسؤولية الاجتماعية على مستوى الأفراد:
يُعدّ هذا الجانبُ العنصرَ الهام في أيّ مجتمع من المجتمعات، ولا أدل على ذلك مما نرى ونلمس من مدى حجم المسؤولية الاجتماعية النابعة من داخل الأفراد داخل المجتمع عبر ممارسة سلوكيات وأنشطة معينة يكون الهدف العام منها تعميق روح المبادرة، والمشاركة جنبًا إلى جنب مع أبناء المجتمع الواحد.
ولعل النماذج حاضرة وبقوة في هذا المجال منها: المثال رقم [1] المدرسة، عندما يقوم فريق من الطلاب بتشكيل مجموعات مدرسية لتنظيف المدرسة، وإصلاحها بدون أي مؤثر مباشر من قبل إدارة المدرسة، فهذا يعني أن الطلبة قد بدأ يتشكل لديهم وعيٌ جديدٌ ومختلفٌ، ألا وهو الوعي الاجتماعي بأهمية إحداث تغيير ملموس ينبع من مدى انبثاق الطاقات نحو العمل الجاد وتحمل المسؤولية.
المثال رقم 2 أن يتولى أبناء الحي زمام المبادرة بتنظيفه والإشراف على الاهتمام به عبر ممارسة أنشطة معينة كزراعة الأشجار والورود، وترميم شوارعه وأزقته بالتعاون مع الهيئات الرسمية للحي، إنما يمثل ذلك طريقًا رئيسًا نحو الأخذ بزمام المبادرة والمتابعة في تنفيذها في كل زاوية من زوايا المجتمع، لما لها من تأثيراتٍ عميقةٍ على المجتمع بأكمله.
أهمية المسؤولية الاجتماعية على مستوى الجماعات:
المثال رقم 1 لعل الأسرة هي المثال الأكثر وضوحًا، وهذا ما يتمثل عندما يتقاسم أبناء الأسرة كافة المسؤوليات الملقاة على عاتقهم بحيث يستشعر كل واحد منهم مدى أهمية المسؤولية، وهذا ما يُعرف بتوزيع الأدوار المنظم والذي يُراد منه أن يتعلم الأبناء أهمية المسؤولية الاجتماعية سواء في تنظيف البيت أو قيام أحدهما بغسيل ملابسه، أو تنظيف الأواني بعد إفراغها من الطعام… إلخ.
المثال رقم2 أن يتعاون جماعة من أفراد المجتمع فيما يُطلق عليهم (ميسوري الحال) بمساعدة طلبة مدارس، أو طلبة جامعات في تأمين أقساطهم المدرسية أو الجامعية عبر تأمين الأدوات القرطاسية والملابس والقسط المدرسي، وكذلك مساعدة بعض الطلبة المحتاجين في تأمين أقساطهم الجامعية والإشراف على تدريسهم شريطة أن يتحمل الطالب المسؤولية في الدراسة، وأن يهتم في دراسته كي تستمر المساعدة في الاستئناف المستمر له حتى يكون قادرًا على استكمال دراسته.
أهمية المسؤولية الاجتماعية على مستوى الدولة:
تنبع المسؤولية الاجتماعية على مستوى الدولة في الأخذ بزمام المبادرة في تحمل المسئوليات الملقاة على عاتقها، وهذا يعني أن تتحمل السلطة السياسية والإدارية مسؤوليتهما في الإشراف على تأمين كافة الاحتياجات اللازمة للمواطنين ومساعدتهما. ولعل الأمثلة واضحة في ذلك:
المثال رقم1 وزارة الصحة، والتي من المفترض أن تقدم الخدمات الصحية العامة للمواطنين بشكلٍ مباشر نابع من حرصها الدائم على أهمية العلاج المجاني، وأن يكون بإمكان أي مريض الذهاب للمشفى للعلاج مع توفر الأدوية اللازمة لعلاجه، وهنا يقع على الوزارة ممثلة بالوزير والمدير العام للمشفى والوكلاء العامين بتوفير الأدوية والعلاج اللازم للمرضى.
المثال رقم 2 وزارة الشئون الاجتماعية، حيث يقع على كاهل الوزارة متابعة الأسر الفقيرة والحالات المهمشة كالأفراد الذين يعانون من الإعاقات الدائمة والمزمنة والتي تحتاج إلى جهد مستمر من قِبل الوزارة والمدراء والأخصائيين في متابعتهم والإشراف عليهم، وتأمين المستحقات المالية التي تكفيهم بعيدًا عن العَوَز والانتظار المادي من أحدٍ ما، واستصلاح بيوتهم إذا كانت في وضع غير لائق مما يجعلها تتطلب ترميمًا وإصلاحًا لكي يكون المواطن قادرًا على العيش كبقية أفراد المجتمع الواحد.
إن نجاح المسؤولية الاجتماعية لا يقتصر فقط على جهد واحد، بل بحاجة لتضافر جميع الجهود من أجل الإسهام الفعال في بناء مجتمعٍ يتمتع أبناؤه بروح المبادرة والمسؤولية والأخذ بزمام المبادرة نحو تشكيل واقعٍ مغاير للواقع الحالي، وهذا لن يتم إلا باقتناع كل فردٍ ومواطنٍ بأهمية المسؤولية الاجتماعية، وأن تكون نابعة من داخله حتى تتوحد هذه الجهود في بناء منظومة اجتماعية يشارك فيها الكل، ويشعرون بأنهم أعضاء فاعلين لديهم القدرة على تحمل أعباء الواقع بروح طيبة، وإلا سنصبح عندئذ أفرادًا عاجزين لا نتمتع سوى بالكسل والعجز والاستجداء غير المجدي من قِبل الآخرين لمساعدتنا وإنقاذنا من الواقع السلبي، ونتحول تدريجيًا عبر الزمن إلى مجرد هياكل بشرية تتلقى المعونات والمساعدات الإنسانية من أجل الاستمرارية فقط، بعيدًا عن أي مبادرة أو استشعار داخلي بأهمية المسؤولية كمفهوم يجب أن يكون له تأثيرٌ فعلي على أرض الواقع.
البعد الأخلاقي للمسؤولية الاجتماعية:
لا يمكن الحديث عن المسؤولية الاجتماعية بدون الحديث عن أخلاقيات أفراد وجماعات ومؤسسات المجتمع في التعامل مع المسؤولية الاجتماعية في الإطار الإنساني الذاتي والذي ينبع من مدى احترامهم لهذا المبدأ الإنساني، والذي من أجله نهضت مجتمعات وتقدمت بفعل أواصر الترابط والتماسك السائد بين أفراد المجتمع الواحد.
ومن أبجديات البعد الأخلاقي للمسؤولية الاجتماعية:
الالتزام: يعدّ هذا العنصر العامل الرئيس لدى أيّ فرد من أفراد المجتمع، وهذا لن يتحقق بدون رغبة ذاتية وإصرار دؤوب من قِبل الفرد نفسه في تطبيق هذا القرار وتنفيذه، حتى يكون نموذجًا عمليا للاقتداء به من قِبل الأفراد داخل أيّ وحدة من وحدات المجتمع الواحدة.
التنشئة الاجتماعية السليمة: وهذه بحاجة إلى توعية متكاملة الأركان من ِبل الأسرة والمدرسة والمؤسسات المجتمعية في فهم المسؤولية الاجتماعية فهمًا كاملًا نابعًا من الانتماء والمواطنة للدولة وللمجتمع حتى يستشعروا معًا أهميتها، ومدى قدرتهم الفعلية على تطبيقها وممارستها مستقبليًا داخل مجتمعهم.
الإحساس والتعاون: لا يمكن أن يُكتب للمسؤولية المجتمعية عناصر السلامة والنجاح بدون توافر الشعور والإحساس الذاتي اتجاه أي حدث طارئ أو مشكلة ما، ولهذا يستوجب دائمًا المبادرة والتعاون في إطار البناء المجتمعي المتماسك بعيدًا عن عوامل التفكك والانهيار المجتمعي.
تُشكل هذه الأبجديات الثلاث مجتمعة في حال تم العمل بها وتطبيقها على أرض الواقع وممارستها عمليًا من قِبل أفراد المجتمع الواحد، نموذجًا مهمًا نحو إعادة تشكيل الوعي الذاتي باتجاه بناء مجتمعٍ متماسكٍ ينحو نحو زمام المبادرة في إطار التعاون والتماسك الاجتماعي.
معاذ عليوي
المصدر: برق للسياسات والاستشارات - BARQ For Policies and Consultations